وَبَعْدَ الضَّمَانِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِينَ وَالْعِمَادِيَّةِ (آجَرَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ (فَأَجَازَ مَالِكَهُ فِي الْمُدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَجْرُ مَا مَضَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَمَا بَقِيَ لِمَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ فُضُولِيٌّ فِي حَقِّ مَالِكِهِ، (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَجْرُ مَا مَضَى لِغَاصِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ (وَمَا بَقِيَ لِمَالِكِهِ) لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِي حَقِّ مَالِكِهِ، (كَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (لَوْ آجَرَهُ فَاسْتُحِقَّ فِي الْمُدَّةِ، وَأَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ) لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ (غَصَبَ) أَيْ رَجُلٌ (مَالًا وَغَيَّرَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (بِفِعْلِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ مِثْلَ أَنْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا بِنَفْسِهِ أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ (فَزَالَ اسْمُهُ فَفَاتَ أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَإِنَّ مِلْكَ مَالِكِهَا لَمْ يَزُلْ بِالذَّبْحِ الْمُجَرَّدِ إذْ لَمْ يَزُلْ اسْمُهَا حَيْثُ يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ وَلَمْ يَقُلْ وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَهُ قَصَدَ تَنَاوُلَهُ الْحِنْطَةَ إذَا غَصَبَهَا وَطَحَنَهَا، فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ الْحِنْطَةِ كَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَنَحْوَهَا تَزُولُ بِالطَّحْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ زَالَ اسْمُهُ مُغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ (أَوْ اخْتَلَطَ) أَيْ الْمَغْصُوبُ (بِمِلْكِ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَصْلًا) كَاخْتِلَاطِ بُرِّهِ بِبُرِّهِ أَوْ شَعِيرِهِ بِشَعِيرِهِ (أَوْ) لَمْ يَتَمَيَّزْ (إلَّا بِحَرَجٍ) كَاخْتِلَاطِ بُرِّهِ بِشَعِيرِهِ أَوْ الْعَكْسِ (ضَمِنَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ (وَمَلَكَهُ) ، أَمَّا الضَّمَانُ فِي صُورَةِ التَّغْيِيرِ وَزَوَالُ الِاسْمِ فَلِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا، وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِأَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّاةِ تَزْدَادُ بِطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا، وَكَذَا قِيمَةُ الْحِنْطَةِ تَزْدَادُ بِجَعْلِهَا دَقِيقًا، وَأَحْدَاثُهَا صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَفَاتَ أَعْظَمُ الْمَنَافِعِ، وَحَقُّ الْغَاصِبِ فِي الصِّفَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ رَاجِحًا عَلَى الْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ ضَرْبَيْ التَّرْجِيحِ إذَا تَعَارَضَا كَانَ الرُّجْحَانُ فِي الذَّاتِ أَحَقَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا الضَّمَانُ فِي الِاخْتِلَاطِ فَلِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِيهِ أَيْضًا، وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (بِلَا حِلٍّ) مُتَعَلِّقٍ بِمَلَكِهِ (قَبْلَ الرِّضَا) أَيْ رِضَا الْمَالِكِ إمَّا بِأَدَاءِ بَدَلِهِ أَوْ إبْرَائِهِ أَوْ تَضْمِينِ الْقَاضِي، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ الْحِلُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ بِكَسْبِهِ، وَالْمِلْكُ مُجَوِّزٌ لِلتَّصَرُّفِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ الْمُطْلَقَةِ بِلَا رِضَا صَاحِبِهَا «أَطْعِمُوهَا الْأَسْرَى» فَأَفَادَ الْأَمْرُ بِالتَّصَدُّقِ زَوَالَ مِلْكِ الْمَالِكِ وَحُرْمَةَ الِانْتِفَاعِ لِلْغَاصِبِ قَبْلَ الرِّضَا وَلِأَنَّ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فَتْحَ بَابِ الْغَصْبِ فَيَحْرُمُ قَبْلَ الرِّضَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَنَفَذَ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ فِي الْحُرْمَةِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (كَذَبْحِ شَاةٍ وَطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا وَطَحْنِ بُرٍّ وَزَرْعِهِ وَجَعْلِ حَدِيدٍ سَيْفًا وَالْبِنَاءِ عَلَى سَاجَةٍ) وَهِيَ شَجَرٌ عَظِيمٌ جِدًّا لَا تَنْبُتُ إلَّا بِبِلَادِ الْهِنْدِ (وَإِنْ ضَرَبَ الْحَجَرَيْنِ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ إنَاءً فَلِمَالِكِهِ بِلَا شَيْءٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ الثَّمَنِيَّةُ، وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا وَهُمَا بَاقِيَانِ حَتَّى جَرَى فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِمَا (ذَبَحَ شَاةً غَيْرُهُ طَرَحَهَا) أَيْ ذَلِكَ الْغَيْرُ شَاتَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ الذَّابِحِ (وَأَخَذَ قِيمَتَهَا أَوْ أَخَذَهَا) أَيْ الشَّاةَ الْمَذْبُوحَةَ يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَ الشَّاةَ إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا (وَضَمِنَ نُقْصَانَهَا) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ كَالْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَبَقَاءِ بَعْضِهَا، وَهُوَ اللَّحْمُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهِ. . . إلَخْ) عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ فَفَاتَ أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ وَإِنْ كَانَ شَرْحًا.
(قَوْلُهُ وَالْبِنَاءِ عَلَى سَاجَةٍ) بِالْجِيمِ وَالسَّاحَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَأْتِي ذِكْرُهَا وَالْحُكْمُ بِزَوَالِ مِلْكِ مَالِكِهَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ بِنَاءِ الْغَاصِبِ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ مَا إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ وَيَرُدَّ السَّاجَةَ مَعَ أَنَّهُ تَمَلَّكَهَا بِالضَّمَانِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ نَقْضُ الْبِنَاءِ، وَإِذَا نَقَضَ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّ السَّاجَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا يَحِلُّ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَحِلُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ وَالْبِنَاءِ سَوَاءً فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ، وَإِنْ تَنَازَعَ يُبَاعُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِمَا وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لَهُمَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ