فَلَا يَجُوزُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْقَبُولِ أَيْ قَبُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْعَقْدَ فِي الْمَجْلِسِ، وَفَائِدَتُهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُوجِبَ بَعْدَمَا أَوْجَبَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِخِيَارِ الْفَسْخِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا الْقَبُولِ الْمُقَابِلِ لِلْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثٌ: حَالٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحَالٌ وُجِدَا فِيهَا وَانْقَضَيَا وَحَالٌ وُجِدَ فِيهَا أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ مَوْقُوفٌ وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَيْهِمَا فِي الْأُولَى مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَفِي الثَّالِثَةِ حَقِيقَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ أَيْ أَجْزَاءٌ مِنْ أَوَاخِرِ الْمَاضِي وَأَوَائِلِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ حَالُ الْمُبَاشَرَةِ بِأَنْ يَقْبَلَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ، وَالْآخَرُ مُتَوَقِّفٌ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثَةُ فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ حَقِيقَةً حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لَا مَا قَبْلَهَا وَلَا مَا بَعْدَهَا أَوْ يَحْتَمِلُهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ، وَالتَّفَرُّقُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى تَفَرُّقِ الْأَقْوَالِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا بِعْت وَيَقُولَ الْآخَرُ لَا أَشْتَرِي أَوْ بِالْعَكْسِ حَيْثُ لَا يَبْقَى الْخِيَارُ بَعْدَهُ، فَإِنْ قِيلَ التَّفَرُّقُ يَكُونُ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ هَاهُنَا قُلْنَا الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ ابْتِدَاءً وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ مُقَرَّرَةٍ فِي الْمِفْتَاحِ وَالْكَشَّافِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ ضَيِّقْ فَمَ الرَّكْيَةِ وَوَسِّعْ كُمَّ الثَّوْبِ وَالْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ جَعْلُ فَمِ الرَّكْيَةِ ضَيِّقًا ابْتِدَاءً وَفِي الثَّانِي جَعْلُ كُمِّ الثَّوْبِ وَاسِعًا ابْتِدَاءً فَلَا تَغْفُلْ.
(وَكَفَى) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ (الْإِشَارَةُ فِي أَعْوَاضٍ) أَعَمِّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (غَيْرِ رِبَوِيَّةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَحِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا بِجِنْسِهَا فَإِنَّ الْإِشَارَةَ فِيهِ لَا تَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُسَاوَاتِهَا قَدْرًا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا كَفَتْ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ طُرُقِ التَّعْرِيفِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَوَصْفِهِ وَاجِبَةٌ فِيهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَشَرْطُ مَعْرِفَةِ مَبِيعٍ يُسَلَّمُ) أَيْ يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ مَتَاعًا فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَلَمْ يُعَرِّفَاهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى التَّسْلِيمِ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ (بِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِمَعْرِفَةِ (يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ) الْمُفْضِيَةَ إلَى النِّزَاعِ الْمُفْضِي إلَى فَسَادِ الْبَيْعِ بِأَنْ بَاعَ غَائِبًا وَأَشَارَ إلَى مَكَانِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مُسَمًّى بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ.
(وَ) شُرِطَ أَيْضًا مَعْرِفَةُ (قَدْرِ ثَمَنٍ) كَعَشَرَةٍ مَثَلًا كَائِنٍ (فِي الذِّمَّةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ كَمَا سَبَقَ وَمَا يَحْصُلُ فِيهَا هُوَ الْمَكِيلَاتُ وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ وَالْمَوْزُونَاتُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَسَائِرِ مَا يُوزَنُ إذَا قُوبِلَتْ بِالْأَعْيَانِ الْقِيَمِيَّةِ (وَ) مَعْرِفَةُ (وَصْفِهِ) كَكَوْنِهِ بُخَارِيًّا أَوْ سَمَرْقَنْدِيًّا؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ فَيَعْرَى الْعَقْدُ عَنْ الْمَقْصُودِ.
(وَصَحَّ) الْبَيْعُ (بِحَالٍّ) أَيْ بِثَمَنٍ حَالٍّ (وَمُؤَجَّلٍ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ ثَوْبًا إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ مَانِعَةٌ مِنْ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ فَهَذَا يُطَالِبُهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ، وَذَلِكَ يُسْلِمُ فِي بِعِيدِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْبَيْعَ مُطْلَقٌ كَمَا قَالُوا، وَاشْتِرَاطُ مَعْلُومِيَّةِ الْأَجَلِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِالرَّأْيِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ نَسْخٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) يَعْنِي نَحْوَ الثَّلَاثَةِ بِجِنْسِهَا (قَوْلُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ) أَقُولُ وَلَكِنْ لَا تَسْقُطُ الْجَوْدَةُ حَتَّى لَوْ أَرَاهُ دَرَاهِمَ، وَقَالَ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْجِيَادِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَاجِبَةٌ فِيهَا) لَعَلَّهُ وَاجِبٌ فِيهِ إذْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعَرِّفَاهُ) يَعْنِي مِقْدَارَهُ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى مَكَانِهِ. . . إلَخْ) بَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُشِرْ إلَى مَكَانِهِ وَأَعَمُّ مِنْهُ وَبَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ مُشْتَرَكٍ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ اخْتِلَاطِ الْمِثْلِيِّ وَلِي فِيهِ رِسَالَةٌ.