بَعْضِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِلَا ذِكْرِ الثَّمَنِ لَا يَكُونُ إيجَابًا، وَلَا قَوْلِ الْبَائِعِ رَضِيت قَبُولًا لِعَدَمِ صِدْقِ تَعْرِيفِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَظَهَرَ عَدَمُ لُزُومِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً، وَلِهَذَا قُلْت أَوْ رَضِيَ بِقَوْلِهِ اشْتَرَيْت هَذَا بِكَذَا (وَيَمْتَدُّ) أَيْ خِيَارُ الْقَبُولِ (إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، فَإِذَا عُدَّتْ الْأُمُورُ الْمُتَعَدِّدَةُ بِسَبَبِهِ وَاحِدَةٌ فَلَأَنْ تُعْتَبَرَ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً أَوْلَى دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ كَذَلِكَ بَلْ تَوَقَّفَ الْإِيجَابُ فِيهِمَا عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا اشْتَمَلَا عَلَى الْيَمِينِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْمَجْلِسِ (وَالْكِتَابُ وَالرِّسَالَةُ كَالْخِطَابِ) يَعْنِي إذَا كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بِعْتُك عَبْدِي فُلَانًا بِكَذَا أَوْ قَالَ لِرَسُولِهِ بِعْت هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا فَاذْهَبْ وَأَخْبِرْهُ فَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَخْبَرَ الرَّسُولُ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْكِتَابِ أَوْ الرِّسَالَةِ اشْتَرَيْتُهُ بِهِ أَوْ قَبِلْتُهُ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ وَالرَّسُولُ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ فَكَلَامُهُ كَكَلَامِ الْمُرْسِلِ فَإِنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُبَلِّغُ تَارَةً بِالْخِطَابِ وَتَارَةً بِالْكِتَابِ.
(وَيَبْطُلُ الْإِيجَابُ قَبْلَ الْقَبُولِ بِالرُّجُوعِ) أَيْ بِرُجُوعِ الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ لُزُومُ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِدُونِ الْقَبُولِ، اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمِلْكِ بَلْ حَقُّ التَّمَلُّكِ أَيْضًا حَقٌّ وَفِيهِ إبْطَالُهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِيجَابَ إذَا لَمْ يَفْدِ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ مُزِيلًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ فَحَقُّ التَّمَلُّكِ لِلْمُشْتَرِي لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْهُ وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ إلَى السَّاعِي، فَإِنَّ الْمُزَكِّيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْفَقِيرِ بِالْمَدْفُوعِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ زَالَتْ مِنْ الْمُزَكِّي فَعَمِلَ حَقُّ الْفَقِيرِ لِانْتِفَاءِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.
(وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا الْإِيجَابُ قَبْلَ الْقَبُولِ (بِقِيَامِ أَيِّهِمَا) مِنْ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ (عَنْ مَجْلِسِهِ) لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَالدَّلَالَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ. اُعْتُرِضَ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْمَلُ عَمَلَهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ صَرِيحٌ يُعَارِضُهَا وَهَاهُنَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الْقِيَامِ قَبِلْت وُجِدَ الصَّرِيحُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ وَرُدَّ بِأَنَّ الصَّرِيحَ إنَّمَا وُجِدَ بَعْدَ الدَّلَالَةِ وَلِذَا لَمْ يُعَارِضْهَا (وَلَزِمَ) أَيْ الْبَيْعُ (بِهِمَا) أَيْ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (بِلَا خِيَارٍ) لِأَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَلَنَا أَنَّ فِي الْفَسْخِ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ. أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِحَقِّ الْآخَرِ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ ثَابِتٌ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَبُولِ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ بَلْ كَانَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً مَعَ كَوْنِهِ رُكْنًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَلَنَا أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ يُفِيدَانِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَأَبَاحَ الْأَكْلَ، وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ التِّجَارَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ التَّرَاضِي وَالْبَيْعُ تِجَارَةٌ فَدَلَّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى نَفْيِ الْخِيَارِ وَصِحَّةِ وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي، وَالْقَوْلُ بِالْخِيَارِ تَقْيِيدٌ وَهُوَ نَسْخٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِ أَيِّهِمَا) أَقُولُ يَعْنِي لَوْ كَانَا قَاعِدَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَا وَاقِفَيْنِ فَسَارَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَكَلَ لُقْمَتَيْنِ فَقَبِلَهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ فَقَبِلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ أَوْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ التَّطَوُّعِ فَأَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى فَقَبِلَ جَازَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْعَقِدُ لِتَفَرُّقِ الْمَجْلِسِ بِالْخُطُوَاتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ إذَا أَجَابَ الْمُخَاطَبُ مَوْصُولًا بِالْخِطَابِ. اهـ.