وَنَسْخُ الْكِتَابِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ، وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ إطْلَاقَ النَّصِّ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْأَجَلِ وَهِيَ لَمْ تُقَيَّدْ بِالْمَعْلُومِيَّةِ لِمَا سَيَأْتِي فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا إلَى أَجَلٍ أَوْ مُؤَجَّلًا صَحَّ فَيُصْرَفُ إلَى نِصْفِ يَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ وَالْمُقَيَّدُ بِالْمَعْلُومِيَّةِ إنَّمَا هُوَ وَقْتُ الْأَجَلِ وَالنَّصُّ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَلِهَذَا قُلْت (مَعْلُومَ الْوَقْتِ) حَتَّى إذَا جُهِلَ وَقْتُهُ فَسَدَ الْبَيْعُ كَالْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْبَيْعَ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ هُوَ الْمُعْتَرِضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ، وَذَاتُ الْبَيْعِ وَحَقِيقَتُهُ كَمَا عَرَفْت مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَالثَّمَنُ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ الْبَيْعِ وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَاتِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ، وَلِهَذَا يُقَالُ بَيْعٌ مُؤَجَّلٌ فَبِالنَّظَرِ إلَى التَّأْجِيلِ يَكُونُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِظَنِّيٍّ، وَأَمَّا تَعْيِينُ وَقْتِ الْأَجَلِ فَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ بَلْ أَمْرٌ لَهُ نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِصِفَتِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا فَيَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالرَّأْيِ فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ (وَبَعْدَمَا عُلِمَ) الْأَجَلُ (إنْ مَاتَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ، وَإِنْ) مَاتَ (الْمُشْتَرِي حَلَّ الْمَالُ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيلِ أَنْ يَتَّجِرَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ، فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ (وَإِذَا مَنَعَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ سَنَةَ الْأَجَلِ فَلِلْمُشْتَرِي أَجَلُ سَنَةٍ ثَانِيَةٍ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى سَنَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ فَلِلْمُشْتَرِي سَنَةٌ أُخْرَى بَعْدَ قَبْضِهِ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (وَبِمُطْلَقٍ) أَيْ صَحَّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ لَا الْقَدْرِ لِوُجُوبِ ذِكْرِهِ لِمَا عَرَفْت (فَالْعَقْدُ) أَيْ فَالْعَقْدُ حِينَئِذٍ يَقَعُ (عَلَى غَالِبِ النَّقْدِ) أَيْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فِي الرَّوَاجِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ (فَإِنْ اسْتَوَى) أَيْ لَمْ يُوجَدْ الْغَالِبُ بَلْ اسْتَوَى (الرَّوَاجُ) فِي النُّقُودِ (لَا الْمَالِيَّةُ) بَلْ تَفَاوَتَتْ فِيهَا (فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ (إنْ لَمْ يُبَيَّنْ) أَيْ الثَّمَنُ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ كَمَا مَرَّ (أَوْ) اسْتَوَى (الْمَالِيَّةُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا اسْتَوَى الرَّوَاجُ (وَاخْتَلَفَ الِاسْمُ) كَالْأُحَادِيِّ وَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ (صَحَّ إنْ أَطْلَقَ اسْمَ الدِّرْهَمِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا) حَيْثُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْأَوَّلِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّانِي وَالثَّلَاثِ مِنْ الثَّالِثِ اسْمُ الدِّرْهَمِ إذْ لَا نِزَاعَ عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ وَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ (وَصُرِفَ إلَى مَا قُدِّرَ بِهِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ) مَثَلًا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ أَلْفًا مِنْ الْأُحَادِيِّ أَوْ أَلْفَيْنِ مِنْ الثُّنَائِيِّ أَوْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ مِنْ الثُّلَاثِيِّ هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَأَرَادَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَتِهِ نَوْعُ غُمُوضٍ (وَلَا يَتَعَيَّنُ النَّقْدَانِ) النَّقْدُ مَا لَيْسَ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَسْكُوكًا أَوْ لَا (وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (فِي صَحِيحِهِ) أَيْ صَحِيحِ الْبَيْعِ (وَإِنْ عَيَّنَا) يَعْنِي إذَا عَيَّنَ الْعَاقِدَانِ دِرْهَمًا مَثَلًا، ثُمَّ أَرَادَ الْمُشْتَرِي تَبْدِيلَهُ بِدِرْهَمٍ آخَرَ جَازَ عِنْدَنَا وَلَا يُسْمَعُ نِزَاعُ الْبَائِعِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَجُوزَ تَبْدِيلُهُ بِآخَرَ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَنَا بَلْ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي صَحِيحِهِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْأَصْلِ وَلَا يَتَعَيَّنَانِ فِيمَا يَنْتَقِضُ بَعْدَ الصِّحَّةِ، صُورَةُ الْأَوَّلِ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَظَهَرَ أَنَّهُ ثَمَنُ الْحُرِّ أَوْ بَاعَ جَارِيَةً وَظَهَرَ أَنَّهَا أُمُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهِيَ لَمْ تُقَيَّدْ بِالْمَعْلُومِيَّةِ) الضَّمِيرُ فِي هِيَ يَرْجِعُ لِلْآيَةِ يَعْنِي {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (قَوْلُهُ وَإِذَا مَنَعَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ إلَى سَنَةٍ كَمَا ذَكَرَ أَمَّا لَوْ قَالَ إلَى رَجَبٍ وَحَبَسَهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ عَلَى رَجَبٍ خَاصٍّ فَكَانَ مُنْصَرِفًا إلَى أَوَّلِ رَجَبٍ يَأْتِي عَقِيبَ الْعَقْدِ بِاتِّفَاقٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْأَصْلِ) يَعْنِي مِنْ أَصْلِهِ لَا طَارِئًا عَلَيْهِ