الْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اللَّفْظُ فِي بَعْضِهَا كَشِرْكَةِ الْمُفَاوَضَةِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يُبَيِّنَا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيهِ (حَتَّى التَّعَاطِيَ) أَيْ إعْطَاءَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِهِ بِلَا وُجُودُ لَفْظٍ فَضْلًا عَنْ الْمَاضِيَيْنِ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّرَاضِي (مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا قَالَ الْكَرْخِيُّ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْخَسِيسِ فَقَطْ كَالْبَقْلِ وَنَحْوِهِ.
(وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي بَيْعِ الْأَبِ مِنْ طِفْلِهِ) بِأَنْ يَقُولَ بِعْت هَذَا مِنْهُ بِكَذَا (وَشِرَائِهِ مِنْهُ) بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْ ابْنِي فَإِنَّ عِبَارَةَ الْأَبِ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْعِبَارَتَيْنِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَبُولٍ وَكَانَ أَصِيلًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَنَائِبًا عَنْ طِفْلِهِ حَتَّى إذَا بَلَغَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ دُونَ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مَالَ طِفْلِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَبَلَغَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى أَبِيهِ، فَإِذَا لَزِمَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي صُورَةِ شِرَائِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا يَقْبِضُهُ لِلصَّغِيرِ فَيَرُدُّهُ عَلَى أَبِيهِ فَيَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ (وَيُخَيَّرُ الْقَابِلُ فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخَيَّرْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ جَبْرًا وَهُوَ مُنْتَفٍ (بَيْنَ قَبُولِ الْكُلِّ بِالْكُلِّ وَالتَّرْكِ) يَعْنِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَوْجَبَ فِي شَيْءٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ أَوْجَبَ الْمُشْتَرِي فِي شَيْءٍ فَقَبِلَ الْبَائِعُ فِي بَعْضِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَأَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ وَاحِدًا لَزِمَ ضَرَرُ الشِّرْكَةِ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَالْعَادَةُ ضَمُّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ وَنَقْصُ ثَمَنِ الْجَيِّدِ لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ فَلَوْ ثَبَتَ خِيَارُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ بِأَنْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي الْجَيِّدِ وَتَرَكَ الرَّدِيءَ فَزَالَ الْجَيِّدُ عَنْ يَدِ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ أَخْذُ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ أَوْلَى، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الصَّفْقَةُ فَلَهُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (إلَّا إذَا كَرَّرَ) أَيْ الْبَائِعُ (لَفْظَ بِعْتُ وَفَصَّلَ الثَّمَنَ) إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ صَفَقَاتٌ مَعْنًى لَا يَتِمُّ إلَّا أَنْ يُدْرَجَ تَكْرَارُ لَفْظِ الْعَقْدِ إذْ بِهِ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ لَا بِمُجَرَّدِ بَيَانِ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ، وَإِنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْبَائِعُ لَفْظَ بِعْت مَعَ ذِكْرِ الثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ إنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِكَذَا أَوْ بِعْتُك هَذِهِ الْعَشَرَةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِكَذَا (أَوْ رَضِيَ) أَيْ الْبَائِعُ (بِقَوْلِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي (اشْتَرَيْت هَذَا بِكَذَا) قَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ فِي الْمَجْلِسِ بِتَفْرِيقِ صَفْقَةٍ يَصِحُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِئْنَافَ إيجَابٍ لَا قَبُولًا وَرِضَى الْبَائِعِ بِهِ قَبُولًا، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ لِلْبَعْضِ الَّذِي قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي قَفِيزَيْنِ بَاعَهُمَا بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مُنْقَسِمٌ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَتَكُونُ حِصَّةُ كُلِّ بَعْضٍ مَعْلُومَةً، فَأَمَّا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ بِقَبُولِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، أَقُولُ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مُرَادِ الْقُدُورِيِّ فَإِنَّ تَسْمِيَتَهُ عِبَارَةَ الْمُشْتَرِي إيجَابًا وَرِضَى الْبَائِعِ قَبُولًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي عِبَارَةِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ ذِكْرَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْبَائِعُ لَفْظَ بِعْت وَفَصَّلَ الثَّمَنَ) أَقُولُ: هَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا لِمَا فِي الْبُرْهَانِ أَوْ يُفَصِّلُ ثَمَنًا بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِمِائَةٍ كُلَّ وَاحِدٍ بِخَمْسِينَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ حِينَئِذٍ فِي الْمُخْتَارِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ لَفْظَ بِعْت؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَفْصِيلِهِ وَلَئِنْ وُجِدَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ وَشَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ لِتَعَدُّدِهَا تَكْرَارَ لَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ بِعْتُك هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَبِعْتُك هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ. اهـ.