يَسْقُطُ حَقُّ الْعَبْدِ إذْ سُقُوطُهُ فِي ضِمْنِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَبْقَى حَقُّهُ (فَلِلْوَلِيِّ الْقِصَاصُ) إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ (أَوْ الْأَرْشُ) إنْ كَانَتْ مِمَّا فِيهِ الْأَرْشُ (فِي الْأُولَى) مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ مَا إذَا جَرَحَ فَقَطْ وَأَمَّا سُقُوطُهُ إذَا أُخِذَ بَعْدَمَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا وَأَخَذَ الْمَالَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَإِذَا سَقَطَ ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ.
(وَ) يَكُونُ (لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (الْقَوَدُ) أَيْ قَتْلُ الْقَاطِعِ (أَوْ الْعَفْوُ فِي غَيْرِهَا) مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَأَمَّا إذَا قَطَعَ بَعْضُ الْمَارَّةِ عَلَى الْبَعْضِ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ إيصَالًا لِلْمَالِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَيُؤَدُّونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْجِنَايَةَ وَلَوْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ لَيْلًا أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ
وَهِيَ دَفْعُ شَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُتَلَصِّصَةِ
(وَفِي الْخَنِقِ) بِكَسْرِ النُّونِ مَصْدَرُ خَنَقَ يَعْنِي إذَا خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ (دِيَةٌ) وَسَيَأْتِي وَجْهُهُ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ اعْتَادَهُ فِي الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ) لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ
(مَعَ الْقُطَّاعِ امْرَأَةٌ فَقَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ تُقْتَلْ) الْمَرْأَةُ (وَقُتِلَ الرِّجَالُ عَشْرُ نِسْوَةٍ قَطَعْنَ الطَّرِيقَ وَأَخَذْنَ الْمَالَ وَقَتَلْنَ قُتِلْنَ وَضُمِّنَّ الْمَالَ) كَذَا فِي الْمُنْيَةِ.
(كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ) لَا يَخْفَى وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْكِتَابِ لِكِتَابِ الْحُدُودِ وَالْقَوْمُ أَخَّرُوهُ إلَى آخِرِ الْكِتَابِ وَهِيَ جَمْعُ شَرَابٍ (وَالشَّرَابُ) لُغَةً كُلُّ مَا يُشْرَبُ مُسْكِرًا كَانَ أَوْ لَا وَشَرْعًا (مَائِعٌ مُسْكِرٌ) اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الْأَشْرِبَةُ أَرْبَعَةٌ الْعِنَبُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْحُبُوبُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ ثُمَّ لِلْمَاءِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْهَا حَالَتَانِ نِيءٌ وَمَطْبُوخٌ وَالْمَطْبُوخُ قَدْ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى ثُلُثُهُ وَقَدْ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى ثُلُثَاهُ وَقَدْ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى نِصْفُهُ وَالْحَرَامُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ وَالْحَلَالُ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ أَمَّا الْحَرَامُ فَبَيَّنَ الْأَوَّلَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ (حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَإِنْ قَلَّتْ وَهِيَ الَّتِي مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذِفَ بِالزَّبَدِ) خُصَّ هَذَا الِاسْمُ بِهَذَا الشَّرَابِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقِيلَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا سُمِّيَتْ خَمْرًا لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ وَسَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ كَذَلِكَ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِهِ لِاخْتِمَارِهَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ سُمِّيَتْ الْخَمْرُ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُرِكَتْ فَاخْتَمَرَتْ وَاخْتِمَارُهَا تَغَيُّرُ رِيحِهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَلَوْ سُلَّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ رِعَايَةَ الْمَعْنَى بِسَبَبِ الْإِطْلَاقِ بَلْ بِسَبَبِ الْوَضْعِ وَتَرْجِيحُ الِاسْمِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّ الْقَارُورَةَ سُمِّيَتْ بِهَا لِقَرَارِ الْمَاءِ فِيهَا وَلَا تُطْلَقُ عَلَى الدَّنِّ وَالْكُوزِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَجْرِي فِي اللُّغَةِ ثُمَّ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ شَرْطٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَكُونُ لَهُ الْقَوَدُ أَوْ الْعَفْوُ فِي غَيْرِهَا) الْقَيْدُ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ لِأَنَّ لَهُ الْعَفْوَ فِي الْأُولَى أَيْضًا كَمَا فِي النَّهْرِ
(قَوْلُهُ مَعَ الْقُطَّاعِ امْرَأَةٌ. . . إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا أَيْ الْمَرْأَةُ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ.
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَدْرَأُ عَنْهُمْ جَمِيعًا لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ فِيهِمْ وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ كَالصَّبِيِّ اهـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ عَجِبَ مِمَّنْ يَذْكُرُهُ مَعَ نَصِّ الْمَبْسُوطِ مَنْسُوبًا إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرِّجَالِ مَعَ مُسَاعَدَةِ الْوَجْهِ لَهُ (قَوْلُهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ. . . إلَخْ) هُوَ كَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هَذَا مَعَ إشَارَةِ الْكَنْزِ إلَى خِلَافِهِ بِقَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ اهـ.
[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ]
(قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الْأَشْرِبَةُ. . . إلَخْ) الْحَصْرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ الْفَوَاكِهَ نَحْوَ الْفِرْصَادِ وَالْإِجَّاصِ وَالشَّهْدِ وَالْأَلْبَانِ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَشْرِبَةُ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْأَلْبَانِ فِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَهِيَ النِّيُّ) بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ بَلْ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِهِ لِاخْتِمَارِهَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَكُلُّ وَاحِدٍ لَهُ اسْمٌ مِثْلُ الْمُثَلَّثِ وَالْبَاذِقِ وَإِطْلَاقُ الْخَمْرِ عَلَيْهِمَا مَجَازٌ
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِنَوْعٍ يُسَمَّى الْعِرْقِيُّ يُسْتَخْرَجُ بِالِاسْتِقْطَارِ مِنْ فَضَلَاتِ الْخَمْرِ وَنَجَاسَتُهُ مَعْلُومَةٌ غَلِيظَةٌ كَأَصْلِهِ لَكِنْ لَيْسَ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ بِالنَّظَرِ لِعَدَمِ إكْفَارِ مُسْتَحِلِّهِ وَعَدَمِ الْحَدِّ بِدُونِ سُكْرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَمْرًا فَلَا يُلْحَقُ بِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي حُكْمِ الْعِرْقِيِّ ثُمَّ رَأَيْت مِثْلَ هَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَذْفُ بِالزُّبْدِ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ صَارَ مُسْكِرًا قُذِفَ بِالزُّبْدِ أَوْ لَا) لَعَلَّ صَوَابَهُ صَارَ خَمْرًا كَمَا هِيَ عِبَارَةِ الْمِنَحِ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَعَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا