قَضَى رَمَضَانَ كُلَّهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَوُجُودِ السَّبَبِ.
. (وَ) يَقْضِي (أَيَّامَ جُنُونٍ أَفَاقَ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الشَّهْرُ قَدْ وُجِدَ وَأَهْلِيَّةُ نَفْسِ الْوُجُوبِ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ بِلَا مَانِعٍ وَإِذَا تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ بِلَا مَانِعٍ تَعَيَّنَ الْقَضَاءُ (، وَلَا) يَقْضِي (كُلَّ الشَّهْرِ الْمُسْتَوْعَبِ بِهِ) أَيْ بِالْجُنُونِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً وَالْجُنُونُ يَسْتَوْعِبُهُ كَثِيرًا (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ.
(نَذَرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ أَوْ السَّنَةِ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ نَذْرُهُ.
(وَ) لَكِنَّهُ (أَفْطَرَهَا) احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ (وَقَضَاهَا) إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ (وَإِنْ صَامَهَا أَجْزَأَهُ وَخَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) أَيْ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوْ السَّنَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ سِتَّةٍ: إمَّا أَنْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا (أَوْ نَوَى النَّذْرَ فَقَطْ) دُونَ الْيَمِينِ (أَوْ النُّذُورَ) نَوَى (أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا كَانَ نَذْرًا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ، وَقَدْ قَرَّرَ بِعَزِيمَتِهِ (وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ (وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَفْطَرَ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْيَمِينِ (وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ الْيَمِينَ) بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ (كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا) حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَجِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَقْضِي أَيَّامَ جُنُونٍ أَفَاقَ بَعْدَهَا) خَاصٌّ بِالْعَارِضِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ) قَيَّدَ بِهِ لُزُومَ قَضَاءِ أَيَّامِ الْجُنُونِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ كَمَا نَذْكُرُهُ فِي الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي كُلَّ الشَّهْرِ الْمُسْتَوْعَبِ بِهِ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ: وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ.
وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ إذَا أَفَاقَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ اخْتَلَفَ فِيهِ أَئِمَّةُ بُخَارَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا، وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ لِيَشْمَلَ وَأَفَادَ مَفْهُومُهُ قَضَاءَ كُلِّ الشَّهْرِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْعَبِ فِيهِمَا أَيْ الْعَارِضِ وَالْأَصْلِيِّ قِيلَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَخَصَّ الْقَضَاءَ بِالْعَارِضِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَ أَصْحَابِنَا.
وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الثَّانِي أَنَّ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ الْقَضَاءِ يَعْنِي لِمَا مَضَى فِي الْأَصْلِيِّ، وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْمَاضِي مِنْ رَمَضَانَ كَذَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ لَيْسَ عَلَى الْمَجْنُونِ الْأَصْلِيِّ قَضَاءُ مَا مَضَى فِي الْأَصَحِّ
(قَوْلُهُ نَذَرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِهَا وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَوْ السَّنَةِ صَحَّ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الْحَاضِرَةَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: هَذِهِ السَّنَةُ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ نَكَّرَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فَإِذَا عَرَّفَهَا وَأَشَارَ إلَيْهَا فَقَالَ هَذِهِ السَّنَةَ لَزِمَهُ سَوَاءً أَرَادَهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: صَوْمَ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَنَةٍ أَوْ أَرَادَ كَلَامًا غَيْرَهُ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ كَالْجِدِّ وَيُفْطِرُ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةِ وَيَقْضِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا، وَهَذَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَإِنْ قَالَهُ فِي شَوَّالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْغَايَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ تَسْهِيَةِ الْغَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَدَّهُ الْكَمَالُ وَأَمَّا إذَا نَكَّرَ السَّنَةَ وَذَكَرَ التَّتَابُعَ فَهِيَ كَالْمُعَرَّفَةِ فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لَا يُجْزِئُهُ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُنَكَّرَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ اسْمٌ لِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ قَدْرِ السَّنَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّذْرِ الْأَيَّامُ الْمَنْهِيَّةُ، وَلَا رَمَضَانُ بَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِهَا قَدْرُ السَّنَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَقَدْ أَدَّاهَا نَاقِصَةً فَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْكَامِلَةِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ فَيَقْضِي قَدْرَهُ بِخِلَافِ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي النَّذْرِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ أَفْطَرَهَا) أَيْ وَجَبَ فِطْرُ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَامَهَا أَجْزَأَهُ) أَيْ مَعَ ارْتِكَابِ الْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَانَ نَذْرًا فَقَطْ) أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لَوْ أَفْطَرَ بَلْ الْقَضَاءُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَاهُمَا) كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ نَذْرًا (قَوْلُهُ أَوْ الْيَمِينُ بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ