(وَالشَّيْخُ الْفَانِي) الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ (أَفْطَرَ وَفَدَى) أَيْ أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ (وَقَضَى إنْ قَدَرَ) عَلَى الصَّوْمِ إذْ يَبْطُلُ حِينَئِذٍ حُكْمُ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ (يَلْزَمُ نَفْلٌ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا) قَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ (أَدَاءً وَقَضَاءً) أَيْ يَجِبُ إتْمَامُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَفْسَدَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ (إلَّا فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِيهَا غَيْرُ مُلْزِمٍ وَهِيَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ: عِيدُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى مَعَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْأَضْحَى
(وَلَا يُفْطِرُ) الشَّارِعُ فِي النَّفْلِ (بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ الْعَمَلِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ خَلَفُهُ فَلَا إبْطَالَ (وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ) يَعْنِي عَلَى الْأَظْهَرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الْمُضِيفَ وَالضَّيْفَ.
(نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ وَأَقَامَ فَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهَا) أَيْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَعَمُّ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلِهَذَا قَالَ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ.
(وَ) إذَا كَانَ ذَلِكَ (فِي رَمَضَانَ يَجِبُ الصَّوْمُ) ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ (كَمَا يَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ إتْمَامُ) صَوْمِ (يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ (سَافَرَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا) أَيْ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ وَسَفَرِ الْمُقِيمِ (بِالْإِفْطَارِ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِلشُّبْهَةِ
(يَقْضِي أَيَّامَ الْإِغْمَاءِ، وَلَوْ) كَانَتْ (كُلَّ الشَّهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقَوِيَّ، وَلَا يُزِيلُ الْعَقْلَ فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَلَا الْأَدَاءَ (إلَّا يَوْمًا حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيهِ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْوِي مِنْ اللَّيْلِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQصَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ الْفِطْرُ وَيُطْعِمُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَاءٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِعُسْرَتِهِ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَيَسْتَقِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ، وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَ لَهُ الْفِدْيَةُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ فَانٍ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي. . . إلَخْ) هَذَا، وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا التَّغْلِيظِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَفْسَدَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا فَسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلْمُتَطَوِّعَةِ بِالصَّوْمِ اهـ.
وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ
(قَوْلُهُ وَفِي رَاوِيَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ) أَيْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَرِوَايَةُ الْمُبْتَغَى يُبَاحُ أَيْ الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ قَالَ: وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُبْتَغَى أَوْجَهُ أَيْ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا دَعَاهُ وَاحِدٌ مِنْ إخْوَانِهِ إلَى الطَّعَامِ يُفْطِرُ وَيَقْضِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَفْطَرَ لِحَقِّ أَخِيهِ يَكُونُ لَهُ ثَوَابُ صَوْمِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمَتَى قَضَى يَوْمًا يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ صَوْمِ أَلْفَيْ يَوْمٍ» اهـ.
(قَوْلُهُ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ) يَعْنِي عَلَى الْأَظْهَرِ كَذَا قِيلَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذْ كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ كَذَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ وَلَا يُحَنِّثُهُ سَوَاءٌ كَانَ نَفْلًا أَوْ قَضَاءً اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ رَضِيَ بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ اهـ. قَالَ فِي الْمُبْتَغَى، وَهَذَا أَيْ التَّفْصِيلُ فِي صَاحِبِ الطَّعَامِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ) الْأَوْلَى تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ لِرُجُوعِهِ لِلضِّيَافَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الضَّيْفَ وَالْمُضِيفَ) كَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِمَا إذَا تَأَذَّى وَاحِدٌ مِنْهُمَا
(قَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا أَيْ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ وَسَفَرِ الْمُقِيمِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالْكَافِي، وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
(قَوْلُهُ يَقْضِي أَيَّامَ الْإِغْمَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ كُلَّ الشَّهْرِ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ لَا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا إذَا اسْتَوْعَبَهُ فَلَا يَقْضِي كَمَا فِي الْجُنُونِ (قَوْلُهُ إلَّا يَوْمًا حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ) يَعْنِي وَالْحَالُ أَنَّهُ يَذْكُرُ أَنَّهُ نَوَى أَوَّلًا أَمَّا إذَا عُلِمَ حَالُهُ فَظَاهِرٌ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ) أَيْ عَلَى الْأَفْضَلِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْخِلَافِ بِالتَّبْيِيتِ لِلنِّيَّةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي شَعْبَانَ) صَوَابُهُ فِي رَمَضَانَ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا فَإِنَّهُ يَقْضِي جَمِيعَ أَيَّامِ إغْمَائِهِ