الْقَضَاءُ لِلنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةُ لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ وَيَمِينٌ بِمُوجِبِهِ وَهَاهُنَا إشْكَالٌ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِهِ هَاهُنَا.
(نُدِبَ تَفْرِيقُ صَوْمِ السِّتَّةِ فِي شَوَّالٍ) يَعْنِي أَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ بَعْدَ الْإِفْطَارِ مُتَتَابِعَةً مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَهُوَ مَالِكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ، وَإِنْ فَرَّقَهَا فِي شَوَّالٍ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
(نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ يَوْمًا يَسْتَقْبِلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوَصْفِ (لَا فِي مُعَيَّنٍ) أَيْ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَسْتَقْبِلُ وَيَقْضِي حَتَّى لَا يَقَعَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْكَافِي
(لَا يَخْتَصُّ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ) أَمَّا الزَّمَانُ فَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبًا أَوْ أَعْتَكِفَ رَجَبًا فَصَامَ أَوْ اعْتَكَفَ شَهْرًا قَبْلَهُ أَوْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَازَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا غَدًا فَتَصَدَّقَ بِهِ الْيَوْمَ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا الْمَكَانُ فَإِنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَعْتَكِفَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِمَكَّةَ فَفَعَلَ فِي غَيْرِهَا جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا الدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ فَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَوْ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ (بِخِلَافِ) النَّذْرِ (الْمُعَلَّقِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ إنْ جَاءَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أُصَلِّيَ أَوْ أَعْتَكِفَ فَفَعَلَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ وَالدَّاخِلُ تَحْتَ النَّذْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ، وَهُوَ أَصْلُ التَّصَدُّقِ دُونَ التَّعْيِينِ فَبَطَلَ التَّعْيِينُ وَلَزِمَتْهُ الْقُرْبَةُ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ سَبَبًا فَلَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ.
(نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَدَخَلَ) رَجَبٌ (وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُهُ) أَيْ الصَّوْمَ (إلَّا بِضَرَرٍ أَفْطَرَ وَقَضَى كَرَمَضَانَ) أَيْ بِوَصْلٍ أَوْ بِفَصْلٍ.
(بَابُ الِاعْتِكَافِ)
(هُوَ) لُغَةً اللُّبْثُ وَالدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ وَشَرْعًا (لُبْثُ رَجُلٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا بِنِيَّتِهِ) أَيْ الِاعْتِكَافِ (وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَنْذُورِ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشَرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ يَمِينًا وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. . . إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّنَةِ الْمُنَكَّرَةِ الْمَشْرُوطِ تَتَابُعُهَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ بُطْلَانِ تَتَابُعِهَا بِإِفْطَارِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَبُطْلَانُ تَتَابُعِ الشَّهْرِ الْمُنَكَّرِ بِإِفْطَارِهَا لِإِمْكَانِ صَوْمِ شَهْرٍ خَالٍ عَنْ أَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ بِخِلَافِ السَّنَةِ
(بَابُ الِاعْتِكَافِ)
(قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً: اللُّبْثُ وَالدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ) أَقُولُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَكَفَ مُتَعَدٍّ فَمَصْدَرُهُ الْعَكْفُ وَلَازِمٌ وَمَصْدَرُهُ الْعُكُوفُ فَالْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسُ النَّفْسِ وَمَنْعُهُ، وَاللَّازِمُ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ بِطَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا لُبْثُ رَجُلٍ. . . إلَخْ) اللُّبْثُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ الرَّجُلَ بِالْمَسْجِدِ وَالْمَرْأَةَ بِالْبَيْتِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اعْتَكَفَتْ فِي الْمَسْجِدِ صَحَّ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْفَتْحِ وَمَسْجِدُ الْبَيْتِ الْمَحَلُّ الَّذِي أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) أَيْ هُوَ شَرْطٌ لِاعْتِكَافِ الرِّجَالِ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ بَعْضُ الصَّلَوَاتِ بِجَمَاعَةٍ كَمَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ وَجْهُ الْمُخْتَارَةِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِمَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقَالَا يَجُوزُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ صِحَّةَ الِاعْتِكَافِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَقِيلَ أَرَادَ الْإِمَامُ بِاشْتِرَاطِ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ غَيْرَ الْجَامِعِ أَمَّا فِي الْجَامِعِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ فِيهِ الْخَمْسُ كُلُّهَا بِجَمَاعَةٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّفَلُ يَجُوزُ ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْجَامِعِ ثُمَّ كُلِّ مَكَان أَيْ مَسْجِدٍ أَهْلُهُ أَكْثَرُ وَأَوْفَرُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْجَامِعُ قِيلَ: إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي مَسْجِدِهِ كَيْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَنْذُورِ) أَقُولُ وَالنَّذْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، وَلَوْ نَذَرَ بِقَلْبِهِ لَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ عَمَلُ اللِّسَانِ وَالنِّيَّةُ الْمَشْرُوعَةُ انْبِعَاثُ الْقَلْبِ عَلَى شَأْنٍ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ) أَيْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ مَلَامَةِ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدٍ إذَا أَتَى بِهِ بَعْضٌ مِنْهُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَأَمَّا اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَاعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأُخَرَ، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ