وَالْمُسَافِرُ أَفْطَرُوا) هَذَا خَبَرٌ لِقَوْلِهِ حَامِلٌ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْإِفْطَارُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ (وَقَضَوْا مَا قَدَرُوا) أَيْ لَزِمَ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ صَوْمِ أَيَّامٍ مَضَتْ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكُوا مِنْ أَيَّامِ زَوَالِ الْعُذْرِ، وَفَائِدَةُ لُزُومِ الْقَضَاءِ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِطْعَامِ عِنْدَ فَقْدِ الْقَضَاءِ (بِلَا كَفَّارَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ (وَلَا فِدْيَةَ) ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالْفِدْيَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ (وَنُدِبَ صَوْمُ مُسَافِرٍ لَا يَضُرُّهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْمَشَقَّةِ (فَإِنْ مَاتُوا فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْعُذْرِ (فَلَا فِدْيَةَ) أَيْ لَا يَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ (وَلَوْ) مَاتُوا (بَعْدَ زَوَالِهِ) أَيْ الْعُذْرِ (فَدَى عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ (وَلِيُّهُ بِقَدْرِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ) الْمَيِّتُ (وَفَاتَ عَنْهُ) فَإِنَّ الْفَائِتَ إذَا كَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ رَمَضَانَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي أَيَّامِ الْإِقَامَةِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ تِلْكَ الْأَيَّامِ دُونَ مَا سِوَاهَا (إنْ أَوْصَى) الْمَيِّتُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَدَى عَنْهُ (فَيَكُونُ) أَيْ مَا فَدَاهُ الْوَلِيُّ (مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهِ) أَيْ بِمَا فَدَاهُ (جَازَ، وَإِنْ صَامَ أَوْ صَلَّى عَنْهُ لَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (كَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ) يَعْنِي إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ جَازَ وَلَمْ يَجُزْ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
(يَقْضِي رَمَضَانَ، وَلَوْ بِفَصْلٍ) يَعْنِي يَجُوزُ فِيهِ الْفَصْلُ وَالْوَصْلُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْوَصْلُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ (وَإِنْ جَاءَ) رَمَضَانُ (آخَرُ صَامَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُهُ (ثُمَّ قَضَى الْأَوَّلَ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ (بِلَا فِدْيَةٍ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ الْفِدْيَةُ (وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى الْوِتْرُ كَصَوْمِ يَوْمٍ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ فِدْيَةُ صَلَاةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَفِدْيَةِ صَوْمِ يَوْمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يُحَمَّ وَلَمْ تَحِضْ الْأَصَحُّ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فِيهِمَا وَالْغَازِي إذَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ فِي رَمَضَانَ وَخَافَ الضَّعْفَ حَالَ الْقِتَالِ حَلَّ لَهُ الْفِطْرُ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا، وَكَذَا لَوْ لَسَعَتْهُ حَيَّةٌ فَأَفْطَرَ لِشُرْبِ الدَّوَاءِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْمُسَافِرُ) عَرَّفَهُ وَنَكَّرَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا إذَا اتَّصَفَ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذْ لَا يَحْتَاجُ فِي حِلِّ إفْطَارِهِ إلَى زِيَادَةِ وَصْفٍ عَلَى السَّفَرِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ أَمَّا لَوْ سَافَرَ فِي يَوْمٍ أَنْشَأَ فِيهِ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ الْفِطْرُ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَتَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ مِصْرَهُ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ قَضَوْا مَا قَدَرُوا) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ: بِوُجُوبِ قَضَاءِ جَمِيعِ الشَّهْرِ بِصِحَّةِ يَوْمٍ أَوْ إقَامَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِقَدْرِ الْقُدْرَةِ اتِّفَاقِيٌّ. وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ،.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِقَدْرِ مَا صَحَّ كَرَمَضَانَ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ سَبَبُهُ النَّذْرُ، وَقَدْ وُجِدَ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَلَا إثْمَ بِالتَّأْخِيرِ وَيَتَضَيَّقُ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يُبَاحُ التَّأْخِيرُ إلَّا لِعُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ صَوْمُ مُسَافِرٍ لَا يَضُرُّهُ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رُفْقَتُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ أَمَّا إذَا كَانُوا مُفْطِرِينَ أَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ لِمُوَافَقَةِ الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ.
(قَوْلُهُ فَدَى عَنْهُ وَلِيُّهُ) أَرَادَ بِهِ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَشَمِلَ الْوَصِيَّ (قَوْلُهُ إنْ أَوْصَى) أَقُولُ وَيُجْزِئُهُ فِي إيصَائِهِ بِهِ عَنْ الصَّوْمِ جَزْمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهِ جَازَ) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ عَنْهُ يُجْزِئُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ أَوْ لِعُذْرٍ مَا، وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ) أَقُولُ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ابْتِدَاءً عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْوَارِثِ عَنْهُ (كَمَا ذَكَرَهُ) وَالصَّوْمُ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ جَازَ) أَقُولُ: كَفَّارَةُ الْقَتْلِ لَيْسَ فِيهَا إطْعَامٌ، وَلَا كِسْوَةٌ فَجَعْلُهَا مُشَارِكَةً لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِيهَا سَهْوٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.
(قَوْلُهُ وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ. . . إلَخْ) هَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ حَتَّى الْوِتْرُ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا الْوِتْرُ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ نَقَلَ فِيهَا عَنْ الْفَتَاوَى أَنَّ إعْطَاءَ فِدْيَةِ صَلَوَاتٍ لِوَاحِدٍ جُمْلَةً جَائِزٌ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ اهـ.
وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ إلَّا عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ جَازَ لَهُ الْفِدْيَةُ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ