وكون مؤلّف الكتاب قريبا من عصر عبد القاهر ينفي ما يمكن أن يتوهّم من نسبته إلى الشّريف الجرجانيّ، عليّ بن محمد، المتوفّى في سنة 816 هـ‍ (?). وهو وهم يمكن أن يستشفّ ممّا ذكره بروكلمان بعد قوله عن (درج الدرر): «وهو تفسير القرآن»، إذ نفى نسبته إلى الشّريف فقال: «وينسب خطأ للشّريف» (?). ونفيه هذا يوحي أنّ هناك من يتوهّم النّسبة إليه. ويؤكّد النّفي الذي ذهب إليه بروكلمان أنّ الشريف الجرجانيّ توفّي في سنة 816 هـ‍، وقد أسلفت أنّ (درج الدرر) خلا من أيّة نقول عن علماء بعد القرن الرابع، ولو كان الشريف مؤلف الكتاب فلا يعقل ألا ينقل عن أعلام بعد ذلك القرن، ولا سيّما الزّمخشريّ الذي ألّف الشريف حاشية على أوائل كشّافه (?).

وثمّة عبارة وردت في النّصّ المحقّق مرّتين، وهي عبارة «قال الأمير» (?). ولعلّها أهمّ إشارة يمكن الاستدلال بها على المؤلف. وقد يكون الأمير المؤلف نفسه، فليس بدعا في كتب القدماء أن يذكر المؤلف باسمه أو بلقبه في كتابه؛ لأنّ كثيرا من تلك الكتب كان إملاء من مؤلفيها على تلامذتهم الذين نشروا كتب شيوخهم فيما بعد، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: (معاني القرآن) للفراء الذي ترد فيه كثيرا عبارة «قال الفراء»، أو «حدثنا الفراء» (?)، ومثل هذا نجده أيضا في (إصلاح المنطق) لابن السّكّيت، أبي يوسف يعقوب بن إسحق (ت 244 هـ‍)، إذ تكثر في الكتاب عبارة «قال أبو يوسف» (?).

ولأهميّة هذه العبارة بحثت في المصادر عمّن يلقّب بالأمير من علماء القرن الخامس، فلم أجد غير ابن ماكولا (?)، الأمير سعد الملك أبي نصر عليّ بن هبة الله بن عليّ بن جعفر، صاحب (الإكمال) المتوفّى في سنة نيّف وسبعين، أو نيّف وثمانين وأربع مئة للهجرة، أي أنّه من عصر عبد القاهر الجرجانيّ، أو بعبارة أخرى، هو من عصر مؤلف (درج الدرر) الذي رجّحت آنفا أنّه من القرن الخامس.

وهو من أسرة مقرّبة من الخلفاء، «ووزّره أبوه أبو القاسم هبة الله للإمام القائم بأمر الله، وتولّى عمّه أبو عبد الله الحسين بن علي قضاء بغداد» (?). وهذا يعني أنّ الأمير ابن ماكولا نفسه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015