والكتاب يخلو من أيّ إشارة إلى نظريّة النّظم (?) التي عرف بها عبد القاهر الجرجانيّ، بل إنّ في الكتاب آراء مناقضة لها، إذ ورد في عدّة مواضع منه أنّه لم يقل كذا لوفق رؤوس الآي، منها في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ} [البقرة:35] قال: «وإنّما لم يقل: ظالمين، لوفق رؤوس الآي» (?). وفي قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} [البقرة:65] قال: «وتقديره: خاسئين قردة، وإلا يقال: قردة خاسئة، لكن التقديم والتأخير لوفق رؤوس الآي» (?). وفي قوله تعالى: {بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاِتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (76) [آل عمران:76] قال: «وإنّما لم يقل: فإنّ الله يحبّه لنظم الآي» (?). وفي قوله تعالى: {وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ} [آل عمران:192] قال: «وإنّما قال: {مِنْ أَنْصارٍ،} ولم يقل: من ناصر، لنظم رؤوس الآي، أو مقابلة للظّالمين» (?). ونظرية النّظم تناقض هذه الأقوال، ويتبيّن ذلك من قول الجرجانيّ: «واعلم أن ليس النّظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو، وتعمل على قوانينه وأصوله» (?). فالتّقديم والتّأخير، أو تغيير التّركيب لوفق رؤوس الآي لا يتّفق مع قوله: «أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو».
وقد يجاب عن كلّ ما سبق بأنّ عبد القاهر ربّما ألّف (درج الدرر) في بداية حياته العلميّة، وقبل أن يستوي في تفكيره مفهوم نظريّة النّظم، وأنّه كان حنفيّا ثمّ صار شافعيّا، وليس هذا بدعا بين العلماء قبله وبعده، وأنّه كان يميل إلى آراء الكوفيّين ثمّ استقرّ بعد ذلك على المذهب البصريّ. وأنّ هذا كلّه كان في المرحلة التي ينطبق عليه فيها ما وصفه به القفطيّ من أنّه «كان ضيّق العطن، لا يستوفي الكلام على ما يذكره مع قدرته على ذلك» (?).
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى عبارة مهمّة أوردها المؤلف في القسم الثاني من الكتاب، ففي حديثه عن اسمه تعالى (البارئ) عند الكلام على قوله تعالى: {هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ} [الحشر:24] قال: «وقد استوفينا الكلام في الأسماء في مفتاح الهدى» (?)، فهو يذكر هنا كتابا له اسمه (مفتاح الهدى)، ولم أقف على ذكر لهذا الكتاب في المصادر التي بين يدي. ومن المعلوم أنّ