الجرجاني توفي سنة (471 هـ) فإن أبا المظفر السمعاني توفي سنة (489 هـ) مما يدلُّ على أن الشيخين قد تعاصرا في زمن واحد، وفي هذه الحال لا يمكننا الجزم في تحديد أحدهما أنه نقل من الآخر.
لقد برز وأبدع الجرجاني في جانب النحو والبلاغة واللغة أيَّما إبداع، وآثاره العلمية في هذين الفنَّين محطّ الاهتمام عند أعلام العلماء قديمًا وحديثًا. فهو يحاول أن يطرح آراءه النحوية والبلاغية من خلال التفسير، وإن كان الأغلب والأكثر هو استعراضه للمسائل النحوية في ثنايا تفسيره وهو يركز بشكل أساسي على الناحية الإعرابية لبعض الكلمات أو الجمل المشكلة في الآيات القرآنية، وربما ذكر الأوجه الإعرابية في الكلمة، وقلَّ أن يرجح شيئًا من هذه الأوجه بل يحاول أن يترك القارئ هو الذي يختار الوجه الذي يراه مناسبًا.
ولا يدفعنا هذا إلى أن نقلِّل من شأن الجرجاني نحويًا حيث لم يذكر القول الراجح من الأوجه الإعرابية، بل الجرجاني كما وصفه أعلام العلماء كالذهبي والسلفي والقفطي وغيرهم بأنه شيخ العربية وإمام النحاة، فهو في الأساس رجل نحوي، بل إن علم المعاني الذي - كما قيل- يعتبر واضعًا لأصوله لم يكن إلا إحياء لروح المعنى والحس والتذوّق في علم النحو، فالأمور التي ذكرها هي بالتأكيد أبعد مدى وأوسع غاية من مجرد الإعراب، فما نجده في كتابه التفسير هو مجرد إشارات لطيفة ومختصرة سواء في الجوانب الإعرابية أو التقعيدات النحوية.
ويرى الجرجاني كما في تفسيره أن علل القياس تبطل بالسماع كما في قوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ...} فقد علَّق الجرجاني على كلمة "المرء" لما ذكر علل اللغويين في هذه الكلمة وتصريفاتها قال: "هذه علل واهية واللغة بالسماع".