وربما كان للجرجاني رأيٌ يخالف فيه عامة المفسَّرين واللغويين فينفرد به عنهم، ففي تفسيره للحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة {الم (1)} أنه قاسها على حذف آخر الكلمة كما هو معروف عند العرب. ولا شكَّ أن مثل هذا القياس هو قياس مع الفارق، إذ المحذوف من آخر الكلمة يفهم من سياق الجملة والكلام أو من الكلمة ذاتها على العكس من الحروف المقطَّعة التي لم يسبقها سياق يدلُّ عليها، وإنما هي حروف مجرَّدة.
كما نراه أيضًا ينفرد في تفسيره لكلمة {مَالِكِ} في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} ففسَّر {مَالِكِ} بمعنى قاضي، ولا يعرف في معاجم اللغة مثل هذا التفسير، كما لم يفسر أحد من المفسرين هذا التفسير- فيما أعلم -.
ومن حيث الجوانب البلاغية في تفسيره فهي إشارات لطيفة ومختصرة وقليلة جدًا، وهو مما نستغربه جدًا أن يغفله المؤلف في هذا الكتاب، فهو أحقُّ من غيره في أن يستعرض به المؤلف- سيما المختص بالبلاغة - الجوانب البلاغية بشكل موسع، ولذا نرى أعلام العلماء يركِّزون على ذلك ويحرصون عليه. يقول الزمخشري في هذا المعنى: "ولله در أمر التنزيل وإحاطته بفنون البلاغة وشعبها" (?). ويرى السكاكي أن "كلَّ آية من القرآن تشتمل على لطائف لا تكاد تحصى لأن التنزيل لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لا تسع الحصر، ولا تظنّ الآية مقصورة على ما ذكرت، فلعلَّ ما تركتُ أكثر مما ذكرت" (?).
وفي الجملة، فإن القصور والتقصير في طرق الجوانب البلاغية حاصل من المؤلف وإنه لم يعطِ الكتاب حقَّه من اللطائف البلاغية.
وفي أحكامه الإعرابية يحاول أن يجعل جانب الترجيح والأحكام الإعرابية وفق ما يذهب إليه ويتبنَّاه كبار النحويين، فقد تبيَّن لي وجه الشبه الكبير بينه وبين سيبويه والكسائي والفراء وأبي عبيدة، وربما صرح بأسمائهم، لكن في الجملة فإن للجرجاني استقلاليته في الأحكام الإعرابية.