في هذه الفترة، جاءت حادثة (الإسراء والمعراج) (?) تثبيتا للرسول صلى الله عليه وسلم على طريق المقاومة الطويل، وتكريما له في أعقاب سنين طويلة من العمل والصمود والكدح، وتتويجا لهذه السنين الصعبة، رفعه إلى قلب السماوات، وأطلعه على جوانب الإعجاز الإلهي الباهر في الكون الكبير وهي امتحان- في الوقت نفسه- لقدرات أصحابه على تصوّر المدى الذي ينافحون مع رسولهم صلى الله عليه وسلم من أجل إخراج (الإنسان) إليه، وهو مدى رحيب يتجاوز أبعاد الملموس والمسموع والمنظور، وينأى عن الأحجام المباشرة للأشياء، ويمتد بعيدا صوب الآفاق التي بإيمان الإنسان بها وحركته صوبها يغدو إنسانا وإلّا فهو كالأنعام، وأضل من الأنعام التي لا تعرف غير أن تأكل وتشرب وتنام، ولا ترى إلّا الأشياء المرئية التي تنعكس إشعاعاتها على قرنية عينيها، ولا تسمع إلا الأصوات التي تلامس طبلات أذنيها، وأمّا ما وراء ذلك فهو العدم الذي لا تحس به ولا تعرف عنه شيئا!!
ورواية الإسراء والمعراج ترد في صحيح البخاري بهذا الشكل: «عن مالك ابن صعصعة (رضي الله عنه) أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم- وربما قال في الحجر- مضطجعا إذ أتاني آت فقد قال، وسمعته يقول، فشقّ ما بين هذه إلى هذه ... فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار، أبيض، قال الراوي وهو البراق، يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال:
جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل:
مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال: هذا أبوك آدم فسلّم عليه، فسلمت عليه فردّ السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح ... » ومن ثم تستعرض