بين الدين الجديد والجاهلية يمكّن الإسلام من أن يشق طريقه وسط ركام من العوائق والمصاعب والآلام.

وإذ شعرت قريش أنها أخفقت في كل الأساليب التي اعتمدتها لوقف انتشار النار، فقد ارتأت في أعقاب اجتماع عقده زعماؤها أن ترفع سلاح (المقاطعة الشاملة) كعقاب (جماعي) للمسلمين وحماتهم من بني هاشم وبني المطلب، علها تضعف قدرة أتباع محمد على المقاومة، وتدفع حماتهم، الذين تشدهم إليهم نخوة العصبية، إلى أن ينفضوا من حولهم ويتركوهم وحيدين، معزولين، مجردين من الحماية، وسط عاصفة الغضب الهوجاء التي اجتاحت صدور المشركين وساحات مكة.. إلا أن السلاح الجديد يثلم هو الآخر إزاء مقاومة المسلمين وقدرتهم العجيبة على التحمل، وإزاء التركيب الاجتماعي في مكة، ذلك الذي دفع عددا من أبنائها الذين تربطهم العصبية بواحد أو أكثر من المحاصرين في شعب أبي طالب إلى أن يتحركوا لوقف هذه المظلمة، وتمزيق الصحيفة التي سطرت فيها كلمات القطيعة.. ويخرج المسلمون من الأسر الصعب بعد ثلاث سنين من العزلة والجوع والحرب النفسية، وهم أصلب عودا، وأغنى تجربة، وأكثر قدرة على التحرك صوب الهدف الذي آلوا أن يسيروا إليه وراء رسولهم، حتى ولو كلّفهم ذلك أنهارا من الدماء..

وكانت الأحداث تتلاحق والاضطهاد الوثني يزداد عنفا وشراسة، ويزيده فتكا وإيلاما، وفاة سندي الرسول العاطفي والاجتماعي: الزوجة والعم، وفشل رحلته إلى الطائف، وكأن إرادة الله كانت تعد، من وراء الظلام الذي ازداد عتمة وكثافة، بالفجر القادم الذي لا ريب فيه ... ولن يكون ذلك إلّا بالأسباب..

وهل بعد (الأسباب) التي منحها الرسول فكره وأعصابه وطاقاته وهمومه جميعا، بقادرة على أن تحقق (وعد الله) ! وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ... (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015