كان اجتماع الرسول صلى الله عليه وسلم بعشيرته الأقربين في أطراف مكة هو بداية العهد الجديد، وقد انتهى ذلك الاجتماع الحاشد بصدّ محزن عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وإنذاره.. ومنذ تلك اللحظة انفجر الصراع الواضح المكشوف بين المعسكرين..
المشركون الذين استخدموا كل أسلوب والتمسوا كل وسيلة لوقف حركة الإسلام إلى الأمام ... والمسلمون الذين لم يؤمروا بالعنف- طيلة العصر المكي- لئلا يتعرضوا لعملية إبادة تحقق للوثنية ما كانت تأمله وترجوه..
وقد بدأ رجال الملأ نشاطهم المضاد في سلسلة من الاتصالات المبطنة بالوعد والوعيد مع أبي طالب ومحمد صلى الله عليه وسلم، فلما أعقبت- جميعها- فشلا، وأعلن النبي عن موقفه الذي لا مهادنة فيه ولا مساومة، في كلمته الحاسمة «والله يا عم..» وجدت الوثنية نفسها مسوقة إلى استخدام أساليب العنف والاضطهاد والحرب النفسية، لوقف الخطر الجديد، وانقضّت كل عشيرة على أبنائها وعبيدها المسلمين تعمل فيهم تعذيبا وتحطيما للمعنويات واضطهادا، ولم ينج الرسول نفسه من هذا البلاء النازل، وهو وأصحابه صامدون صابرون للمحنة، تسندهم تجارب سنين طويلة من العمل والنمو العقيدي، وتمنحهم المعنوية والثقة آيات القرآن البينات التي كانت تتنزل في قلب المحنة لكي ترفع المؤمنين إلى أفق الأمل واليقين بالنصر..
وإلى جانب هذا وذاك كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينفخ في أصحابه روح الثبات والمقاومة ويرسم لهم بذكائه الثاقب، وبالهدي الإلهي، الطرائق والأساليب التي تقترب بهم يوما بعد يوم من الهدف الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد وعد أصحابه ببلوغه مهما طال الطريق وعظمت المصائب.. ولم يكن التخطيط للهجرة الموقوتة إلى الحبشة، والاتصال المستمر بالقبائل والوفود القادمة إلى مكة، والذهاب إلى الطائف، ولقاآت العقبة الثلاث إلا خطوات على الطريق..
وكلما ازدادت المحنة وعظم البلاء ساق الله إلى الدعوة رجالا كبارا لهم وزنهم في مجرى الأحداث وقدرتهم على المقاومة والتحدي والتغيير. ولم يكن إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما إلا أمثلة بيّنة على الإرادة المعجزة التي تسوق، وفق منطقها وقضائها الذي لا رادّ له، رجالا من قلب الجاهلية، ومن صميم زعامتها، إلى ساحة الحركة الجديدة، ليسوا أتباعا عاديين، وإنما قادة وزعماء يلعبون دورهم في إيجاد نوع من التوازن في القوى