العادات والتقاليد القديمة. وبينما كان بعض المعارضين ذوي نزعة فردية قوية، فقد كان أكثرهم محافظة يعترف ببعض الولاء للجماعة، فكانوا يرون إذن في نزعة الإسلام لإحداث انقسامات حادة في العائلة دليلا آخر على أن التخلي عن الطريق الذي سلكه الأجداد يؤدي إلى نتائج وخيمة، وربما بدا لهم ذلك جديرا بتهديم المجتمع بأكمله، وكان هذا ما يحدث فعلا ... وما يلبث (وات) أن يخلص إلى القول بأن أسباب معارضة الإسلام- إذا وضعنا جانبا كل مصلحة شخصية- كانت الخوف من نتائجه السياسية والاقتصادية والنزعة المحافظة الصرفة، وكانت المشكلة التي جابهها محمد لها جوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية، غير أن رسالته كانت في الأساس دينية بحيث أنها حاولت علاج الأسباب الدينية الكامنة لهذه المشكلة ولكنها انتهت لمعالجة الجوانب الآخرى ولهذا اتخذت المعارضة أشكالا مختلفة (?) .
إن شعار (لا إله إلا الله) الذي أمر محمد صلى الله عليه وسلم برفعه في وجه الجاهلية، جاء انقلابا شاملا على كل المستويات الدينية والاجتماعية والفكرية والنفسية والأخلاقية والسياسية والسلوكية، إذ هو إشعار واضح بضرورة ردّ الأمر كله إلى الله (الحاكم) و (المشرع) وتجريد الإنسان فردا وجماعة، من الخضوع لمقاييسه الجزئية القاصرة، واتباع (الهوى) و (الظن) في كل صغيرة وكبيرة.
ولقد رأينا خلال عرضنا للطور العلني للدعوة أن جلّ كلمات القرشيين ومرتكزات حوارهم مع أبي طالب، أو مع محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، من أجل إقناعه بالعدول عن دعوته، ما كانت لتنصب على الدفاع عن مصالحهم المادية، بقدر تشبثها بمعتقداتهم وقيمهم، كما نلمح من خلالها إدراكهم الكامل لأبعاد عبارة (لا إله إلا الله) وخطورتها الشاملة إزاء وجودهم الجاهلي كله. ويمكن أن نذكر هنا- على سبيل المثال- رواية ابن سعد التي تقول إن وفدا من زعماء قريش قدموا إلى أبي طالب ليلتمسوا إليه أن يكف ابن أخيه، فاستدعاه وقال له «يا ابن أخي، هؤلاء عمومتك وأشراف قومك وقد أرادوا أن ينصفوك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قولوا أسمع!! قالوا: تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك. قال أبو طالب: قد أنصفك القوم فاقبل منهم. فقال رسول الله: أرأيتم إن أعطيتكم هذه، هل أنتم معطيّ كلمة