اليومية، إلا أنه كان متغلغلا ومتعمقا في اللاشعور فيهم، فهم يعيشون فيه دون أن يفهموه أو يدركوه، كما أنه لطول أمد استقراره لم تكن هناك حاجة للتحدث به أو الدفاع عنه. ولكن الإسلام بنقده لدينهم كان تحديه موجها لا إلى عقائدهم فحسب بل إلى ذاتيتهم وإلى كيانهم الروحي، فاندفعوا يدافعون عنه بقوة. ومما زاد في قوة هذه المقاومة، روح المحافظة التي تتجلى عند البدو بصورة خاصة.

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تبين أثر روح المحافظة في المقاومة غير المفكرة التي واجهوا الإسلام بها وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ (?) .. ومما زاد في عنف مقاومتهم أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للوحدانية كانت جديدة عليهم، فلم يكن قد أتاهم من قبله رسول» (?) .

ولا ريب أن هذا الدافع (اللاشعوري) هو الذي يفسّر لنا إصرار زعماء (الشرك) ، خلال تعذيبهم للمسلمين، وضغوطهم ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يدعوا سبّ آلهتهم وشتم آبائهم وأجدادهم وهو الأمر الذي كان يتكرر كثيرا في ميدان العلاقات الوثنية- الإسلامية، كما يفسّر لنا تشبث رجل عاقل كأبي طالب بدينه الوثني، رغم حمايته المعروفة لابن أخيه، بحجة أن هذا التغيير لا يليق برجل كبير موقر مثله.. فتغيير دين الآباء والأجداد (عار) لا يلائم كبار رجالات مكة وشيوخها أولئك الذين كان يقود خطاهم إحساس (رجعي) متأصل في نفوسهم، تعبر عنه الآية الكريمة، وقالوا: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (?) .. وغيرها كثير..

ولعل من أهم أسباب المقاومة كذلك- يقول دروزة- ما كان للزعامة الوثنية من دور خطير في المجتمع العربي حيث كان الزعماء- وخاصة الزعماء الأغنياء- يتمتعون بنفوذ السيادة.. ومنها ما كان من رسوخ عصبية التقاليد في المجتمع العربي، وما استهدفته الدعوة من هدم كثير من تقاليد العرب الأصلية والفرعية، أو تعديلها: كالشرك على أنواعه، والاستشفاع بالملائكة، وما شاب الشرك من وثنية مادية، وكالعصبية الاجتماعية الضيقة وما كانت تتشدد فيه من حزبيات عائلية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015