[2]

وقع فيه معظم الغربيين الذين يجدون أنفسهم ملزمين بتطبيق مقاييسهم الخاصة على تاريخنا.. وقد ناقشنا هذه المسألة في مقدمة هذه الدراسة عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإلى أي دين كان ينتمي هؤلاء المترفون الأغنياء ومتوسطو الحال، الذين ينتمون إلى أشهر القبائل المكية وأعلاها سلطة ومكانة؟ إلى الدين الذي كانت حملات كتابه الكريم تتنزل منذ بداياتها الأولى (العلق، القلم وغيرهما) (?) صواعق على رؤوس الأغنياء والزعماء، تلك الآيات التي «.. نددت بالأغنياء الذين يقبضون أيديهم عن مساعدة الطبقات المعوزة وحثت على الإنفاق كثيرا، كما أنها حاربت الزعامة الطاغية الباغية المعتزة بالقوة والمتكبرة عن الحق» (?) . وهكذا تبدو طبيعة الدعوة الإسلامية منذ بدئها، عظيمة رائعة في حدبها على هذه الطبقة التي تتألف منها عادة أكثرية الجماهير، وتحريرها ورفع مستواها (?) .

[2]

ولن تتكامل الصورة إلّا بأن نتجاوز، في تحليلنا هذا، مرحلة الدعوة السريّة إلى المرحلة المكية عامة لنرى في الجهة المقابلة الدوافع الحقيقية التي قادت المشركين وزعماءهم إلى مقاومة الدعوة، وهي دوافع لا تنصبّ على الجانب المادي فحسب، بل تمتد إلى كل مساحات التصوّر والشعور والحياة الجاهلية، وإن كان للجانب (المادي) أهمية كبيرة بين هذه الدوافع إلا أنه لا يمكن أن يغطي المساحة كلها ويحجب الدوافع الآخرى، الدينية والنفسية والسياسية والثقافية، عن أعين الباحثين، ذلك «أن مقاومة المشركين للإسلام، رغم الجمود الظاهر لديانتهم، يمكن تعليله بأن دينهم، وإن لم يكن يلعب دورا كبيرا ظاهرا في حياتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015