استغربه النقدة وأشاروا إلى نشوزه، تعمدوا ذلك لأن هذا الشاذ هو الأداة الوحيدة في إثارة الشك. ومهما قالوا في نسبة التاريخ الصحيح في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن سيرة الرسول هي أوضح وأطول سيرة نعرفها بين سير جميع الرسل والأنبياء..

والذين يؤاخذون المستشرقين على سلوكهم هذا المسلك من النقد يؤاخذون كذلك من يحاول من المسلمين كتابة التاريخ متأثرا بعاطفته وهواه. فهم لا يريدون توجيه اللوم إلى المستشرقين وحدهم لتأثرهم بعاطفتهم ثم يتركون من يركب هذا المركب من الشرقيين دون لوم ولا تعنيف» (?) .

فالمنهج العلمي هو المنهج العلمي، والخروج عنه خروج عن العلم الصحيح سواء مارسه رجل في أقصى الغرب أم في أقصى الشرق، وسواء كان وراءه إنسان يتعبد في كنيسة أم يصلّي في مسجد.. والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يقول (من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) .. ولم يحدد صلى الله عليه وسلم هوية الكاذبين وانتما آتهم الدينية والجغرافية.

ويحدثنا الدكتور (صالح أحمد العلي) كيف أن بداية الحركة الاستشراقية في مواقفها الظنية والعاطفية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت قد جانفت العلم كثيرا، ثم بدأت تعتدل شيئا فشيئا، «لقد تناول المستشرقون الغربيون حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما تناولوا من الأبحاث عن التاريخ الإسلامي. ولا شك أن التعصب والتحامل كانا يطغيان على كتابات المستشرقين القدامى نظرا لتأثرهم بروح التعصب الديني الذي كان مسيطرا ومتبلورا بتأثير الحروب الصليبية، ونظرا لضعف معرفتهم باللغة العربية، وقلة المصادر المتوفرة لديهم. غير أنه لم يخل الغرب منذ أوائل العصور الحديثة من مفكرين معتدلين امتدحوا الإسلام (?) ولكن منذ القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام بدراسة المخطوطات العربية وطبعها، وأخذ المستشرقون يدرسون تاريخ الشرق لذاته متّبعين الطريقة العلمية التي كانت قد قطعت شوطا كبيرا من التقدم في الغرب. ومع أن فريقا منهم لم يتقن كل ذلك، إلا أن عددا غير قليل كان يتميّز بسعة الاطلاع، وبعد النظر، وعمق التفكير، مما ساعدهم على إنتاج مباحث تستثير التفكير والتقدير، رغم أنه لا يمكن القول بأن أحكامهم نهائية» (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015