الذي اعتمده كثير من الباحثين المحدثين، وبخاصة طبقة المستشرقين الأولين التي حكّمت الظن وانساقت وراء الهوى، وهي تنتقي وتستبعد، أو تحلل وتستنتج وفق منهج بحث لا تقرّه بداهات العلم.

وهنا أحب أن أقف بعض الوقت لأعرض بإيجاز لهذه المسألة المنهجية، التي سوف لن أعود إليها مرة أخرى إلا لماما، خوف أن تندّ بي عن المنهج الموضوعي في دراسة السيرة من مصادرها (الأساسية) وبيئتها (الواقعية) بعيدا عن الرؤى والإسقاطات المعاصرة، شخصية ومذهبية، مما يتطلب بحثا آخر يضم مطولات من الردود والإثباتات والتحليل والمناقشات أحسب أنها تتم فعلا وأنها في طريقها إلى الظهور (?) .

يقول الدكتور جواد علي «.. أخذ على بعض المستشرقين تسرعهم في إصدار الأحكام في تاريخ الإسلام، وتأثرهم بعواطفهم لأخذهم بالخبر الضعيف في بعض الأحيان، وحكمهم بموجبه، ولإصدارهم أحكاما بنيت على الألفاظ المشتركة أو التشابه، مع قولهم بوجوب استعمال النقد، وباحتراسهم في الأمور ووجوب التأكد من معرفة الآخذ قبل الحكم عليه.. وآية ذلك أن معظم المستشرقين النصارى هم من طبقة رجال الدين أو من المتخرجين من كليات (اللاهوت) وأنهم إن تطرقوا إلى الموضوعات الحسّاسة من الإسلام حاولوا جهد إمكانهم ردّها إلى أصل نصراني. وطائفة المستشرقين من يهود وخاصة بعد تأسيس (إسرائيل) وتحكم الصهيونية في غالبيتهم، يجهدون أنفسهم لردّ كل ما هو إسلامي وعربي لأصل يهودي، وكلتا الطائفتين في هذا الباب تبع لسلطان العواطف والأهواء» (?) .

ويمضي الدكتور جواد علي إلى القول بأن كثيرا من المستشرقين «غالوا في كتاباتهم في السيرة النبوية، وأجهدوا أنفسهم في إثارة الشكوك في السيرة. وقد أثاروا الشك حتى في اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو تمكنوا لأثاروا الشك حتى في وجود النبي. وطريقة مثل هذه دفعتهم إلى الاستعانة بالشاذ والغريب فقدموه على المعروف المشهور. استعانوا بالشاذ ولو كان متأخرا، أو كان من النوع الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015