إنني أمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك! وقال الآخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟ وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أردّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك!!
فغادرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن طلب منهم أن يكتموا ما جرى بينه وبينهم، إذ كره أن يبلغ قومه ذلك فيجرئهم عليه. لكن زعماء ثقيف لم يستجيبوا لطلبه وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبّونه ويصيحون به، ويرمونه بالحجارة، فلم يكن يرفع قدما ويضع أخرى إلا على الحجارة، حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة، وكانا هناك، فتفرق عنه سفهاء الطائف وقدماه تنزفان دما، فعمد إلى ظل كرمة ونادى ربه: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس.. يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك» !! فلما رآه ابنا ربيعة، وشاهدا ما لقي، تحركت له رحمهما، فطلبا من غلام نصرانيّ لهما يدعى (عدّاس) أن يحمل إليه طبقا من عنب. فلما أتى به الغلام ووضعه بين يديه، مدّ الرسول صلى الله عليه وسلم يده قائلا: باسم الله، ثم بدأ يأكل العنب، فعجب الغلام لسماعه عبارة لم يألف سماعها في أرض وثنية، فقال للرسول صلى الله عليه وسلم والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فسأله الرسول: ومن أي البلاد أنت، وما دينك؟ أجاب: نصرانيّ، من أهل نينوى. فسأله الرسول: من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى؟ أجاب الغلام دهشا: وما يدريك ما يونس بن متّى؟
قال الرسول: ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبيّ. فأكب عدّاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسعه لثما وتقبيلا.. وما أن غادر الرسول البستان حتى حذره سيداه: ويحك يا عداس، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه (?) !!
عندما قفل الرسول صلى الله عليه وسلم عائدا إلى مكة كانت الأمور هناك قد بلغت حدا