[5]

ما لبث الرسول صلى الله عليه وسلم أن فجع بأعز أقربائه إليه: زوجته البرّة خديجة وعمه أبي طالب ففقد بذلك سنديه النفسي والاجتماعي، وحزن لفقدهما حزنا عميقا، حتى أن ذلك العام- الذي سبق الهجرة بثلاث سنين- سمي بعام الحزن. وانتهزت قريش الفرصة فألحقت بالرسول صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب. وقد اعترضه- مرة- أحد سفهاء قريش في الطريق، ونثر على رأسه ترابا، فدخل الرسول بيته والتراب على رأسه فقامت إحدى بناته لتنفضه عنه وهي تبكي ورسول الله يقول لها: لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك (?) !!

ونظرا إلى أن الحجة الرئيسية للمقاطعة- التي لم يمض عليها كبير وقت- هي حماية (بني هاشم) للمسلمين، وإنها كان لها تأثير سيء في أعمال بني هاشم، فالظاهر أنهم أدركوا الأضرار التي تنجم عن استمرار حمايتهم للرسول صلى الله عليه وسلم. ويبدو أنهم بعد موت أبي طالب بدؤوا يتخلون عن تلك الحماية. ولعل أبا طالب هو العامل الأكبر في استنهاض همم بني هاشم لمساندة الرسول وحمايتهم له، فلما مات خففت هاشم من تأييدها وربما أدركت- بعد المقاطعة- ما يصيبها من أضرار مادية ومعنوية إذا استمرت في حمايته، لذا أخذت تتخلى عن ذلك، ويتجلى هذا واضحا في أعقاب رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف (?) .

أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أن القيادة الوثنية في مكة مصرّة على الوقوف بوجه دعوته ماضية في إلحاق أذاها به، واضطهاد أتباعه وفتنتهم عن دينهم، فرأى أن يغادرها إلى مكان آخر ينشر فيه دعوة الإسلام ويطلب من أهله النصر والمنعة، فوقع اختياره على الطائف حيث تقطن ثقيف كبرى القبائل العربية بعد قريش. فغادر مكة في شوال من السنة العاشرة للبعثة، يصحبه زيد بن حارثة. ولما انتهى إلى هناك عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادتها وأشرافها، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم المهمة التي جاء من أجلها وهي أن ينصروه على الإسلام ويمنعوه من قومه، فلم يلتفتوا إليه وعلقوا على دعوته ساخرين، فقال أحدهم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015