منا قوم (?) » . ولم يكن ما يجيئهم سرا ليسكت نداء الجوع الذي لا يرحم، حتى إن أحدهم اضطر يوما أن يطحن قطعة من جلد بعير ويمزجها بالماء ويلتهمها التهاما..
وبدأ بعض رجالات قريش وشبابها يتذمرون للظلم الصارخ الذي نزل بحماة الرسول من بني هاشم وبني المطلب، فسعوا إلى وقف القطيعة، وتمزيق الصحيفة الغادرة، وإعادة الأمور إلى مجاريها. وكان على رأس هؤلاء هشام بن عمرو، الذي تصله ببني هاشم صلة من قرابة، وكان ذا شرف في قومه، وكان قد بذل جهده أيام الحصار في إيصال الطعام سرّا إلى الشعب.. فلقد اتصل بزهير بن أبي أمية، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، وقال له: يا زهير، أقد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء، وأخوالك حيث قد علمت لا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم؟ أما أني لأحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك أبدا. فأجابه زهير: فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، والله إن لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها. قال هشام: قد وجدت رجلا. قال: فمن هو؟ أجابه هشام: أنا. قال زهير: أبغنا رجلا ثالثا. وتمكن هشام من إقناع ثلاثة رجال آخرين هم المطعم بن عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب، بضرورة تمزيق الصحيفة وإنهاء المقاطعة. واتعد الرجال الخمسة على اللقاء ليلا بأعلى مكة وهناك أجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام بتمزيق الصحيفة.
وقال زهير: أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم. وفي صباح اليوم التالي أقبل زهير على الناس وقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباعون ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فرد عليه أبو جهل: كذبت، والله لا تشق!! قال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حيث كتبت. وسرعان ما أيده رفاقه الثلاثة. فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل!! وما لبث المطعم أن قام إلى الصحيفة فمزقها (?) . ثم لبس ورفاقه السلاح واتجهوا إلى الشعب وأمروا بني هاشم وبني المطلب بالخروج إلى مساكنهم ففعلوا. وعند ما رأت قريش ذلك أسقط في أيديها وعرفت أنهم لن يسلموهم (?) .