وأبيّ بن خلف يجد رفيقه عتبة بن أبي معيط، يجلس إلى الرسول ويستمع منه فيقسم ألا يكلمه حتى يأتيه فيتفل في وجهه، فيفعل ذلك عدو الله فيقرعه القرآن وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا ... (?) .
ويمشي أبيّ بن خلف إلى الرسول بعظم بال ويقول له: أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرمّ؟ ويفتّه أبيّ في يده ثم ينفخه في الريح بوجه رسول الله، فيجيبه الرسول: نعم أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا، ثم يدخلك الله النار!! ويردّ القرآن: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (?) .
ويعترض الرسول صلى الله عليه وسلم عدد من رؤوس الوثنية وذوي الكلمة في قومهم، فيقولون: يا محمد هلمّ فلنعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فيأمره القرآن قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (?) .. وآخرون يضعون في قدره الذي يطبخ فيه رحم شاة أو يطرحونها عليه وهو يصلّي، فكان يخرج به في أعقاب صلاته ويقول: يا بني عبد مناف، أي جوار هذا؟ ثم يلقيه في الطريق (?) ...
طالت أيام الحصار، واشتد الأذى بالمنقطعين في شعب أبي طالب، فلم يكن لأحد من قريش أن يزوجهم أو يتزوج منهم، ولا أن يبيعهم أو يبتاع منهم فعصرهم الجوع عصرا. وكان المحاصرون لا يخرجون من الشعب طيلة سني الحصار «إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد، وتضاغى صبيانهم فسمع ضغاؤهم من وراء الشعب. وقال عبد الله بن عباس: حصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة حتى أن الرجل ليخرج بالنفقة فما يباع شيئا حتى مات