من سواك.. ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك» . فطلب منه النجاشي أن يقرأ عليه شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله، فتلا عليه صدرا من سورة مريم. فبكى والله النجاشي حتى أخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، وقال النجاشي «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما» (?) .
لكن عمرو بن العاص لم ييأس، وعاد إلى النجاشي في اليوم التالي وقال له: إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه. فاستدعاهم وسألهم، فأجابه جعفر: «نقول فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول» . فتناول النجاشي عودا وقال: والله ما عدا عيسى ابن مريم مما قلت هذا العود فأبدى بطارقته استياءهم فردهم وأعلن عن حمايته للمهاجرين وقال لمن حوله: ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فغادر عمرو ورفيقه أرض الحبشة عائدين إلى مكة (?) .
بلغت طلائع المهاجرين، بعد شهرين من إقامتهم في الحبشة أنباء تشير إلى أن أهل مكة قد اعتنقوا الإسلام، فقفل بضعة وثلاثون رجلا منهم عائدين إلى بلادهم، وما أن اقتربوا منها حتى أيقنوا كذب تلك الأنباء، فتسلل بعضهم مستخفيا إلى مكة، ودخل آخرون بجوار بعض المشركين، ورجعت فئة ثالثة من حيث أتت (?) . وقد ظل معظم المهاجرين في أرض الحبشة حتى السنة السادسة للهجرة حيث عقد الرسول صلى الله عليه وسلم مع قريش صلح الحديبية وبعث إلى النجاشي عمرا ابن أمية الضمري يطلب إعادة المهاجرين إلى بلادهم فحملهم في سفينتين وقدم بهم على الرسول صلى الله عليه وسلم في أعقاب فتحه خيبر في مطلع السنة السابعة. ولقد سرّ الرسول صلى الله عليه وسلم سرورا عظيما لمقدمهم حتى إنه قبل زعيمهم جعفر بن أبي طالب واحتضنه قائلا: ما أدري بأيهما أنا أسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وكان عدد العائدين من الحبشة قريبا من العشرين رجلا وعددا من النساء والأطفال الذين