الحبشة قرر زعماؤها أن يبعثوا في طلبهم رجلين قديرين إلى النجاشي لكي يردوا المهاجرين فيمارسوا معهم من جديد الفتنة والاضطهاد. واتجه الموفدان عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى الحبشة وهما يحملان الهدايا للنجاشي ولبطارقته. وبدا بالبطارقة فسلما كلا هدية وقالا له: إنه قد لجأ إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردوهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلم بما عابوا عليهم. فقال البطارقة: نعم. وعند ما اتجه عمرو ورفيقه إلى النجاشي وعرضا عليه طلبهما بتسليم المهاجرين، وقالت البطارقة من حوله: صدقا أيها الملك، قومهم أعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما، غضب النجاشي وقال: لا والله، إذن لا أسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولون أسلمهم إليهما، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني (?) .

وما لبث النجاشي أن دعا المهاجرين لحضور مجلسه، وعند ما سألهم عن طبيعة الدين الذي دفعهم إلى مفارقة قومهم، تقدم جعفر بن أبي طالب وقال:

«أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.. فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله. فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى. فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015