كان اختيار الحبشة دارا لهجرة المسلمين خطوة موفقة من خطوات الرسول المدروسة. فهناك، إضافة إلى الصفة التي وصف ملكها بها في الحديث المروي عن النبي، تيسّر السفر إليها بالسفن، ومساعدة الرياح الموسمية لهذا السفر البحري في ظروفه، فضلا عن العلاقات المذهبية الطيبة بين الإسلام والنصرانية..
بل إنه ليخطر بالبال أن من أسباب اختيار الحبشة أمل وجود مجال للدعوة فيها وأن يكون هدف انتداب جعفر متصلا بهذا الأمل. ولعل ما روي عن إسلام النجاشي وغيره من الأحباش ووفادة بعضهم على النبي مسلمين مستطلعين ما يستأنس به على صحة هذا الخاطر، إذ يرى أثر نجاح لهذه الدعوة في هاتيك الديار. ولعل حادثة انتصار الأحباش لنصارى اليمن التي كانت حاضرة في أذهان العرب كانت ذات تأثير أيضا في توجيه الهجرة إلى هذه البلاد، فالمسلمون بهذا يكسبون حليفا قويا تجمع بينهم وبينه الرابطة الدينية، والمشركون يقع في نفوسهم شيء من الخوف والتوجس والجنوح إلى الارعواء بسبب توثق الصلة بين المسلمين وهذا الحليف القوي (?) ، هذا إلى أن اختيار منطقة كاليمن أو يثرب سوف يعرض المهاجرين لبطش العناصر الوثنية واليهودية المنتشرة هناك.
ويضطرب (وات) في تحليل أسباب الهجرة إلى الحبشة وبقاء المسلمين هناك ردحا طويلا، بين خمسة أسباب أولها الهروب من الاضطهاد وثانيها البعد عن خطر الارتداد وثالثها ممارسة النشاط التجاري ورابعها السعي للحصول على مساعدة حربية من الأحباش. ثم يشكك في جدوى الاعتماد على هذه الأسباب ويقول: «من الصعب مقاومة الفكرة القائلة بوجوب الاطمئنان إلى السبب الخامس وهو أنه نشأ انقسام قوي في الرأي داخل أمة الإسلام الناشئة» (?) . وفي مكان سابق كان وات قد قال «ويبدو أن إقامة خالد بن سعيد الطويلة في الحبشة تشير إلى أنه