الآيات (11- 15) من سورة الحج تحمل على هذا النوع من الناس بأسلوب عام حملة لاذعة في سياق وبيان مراتب الناس من عبادة الله والاعتراف به والإخلاص له، فالمخلص يجب أن يؤمل في رحمة الله ونصره وإن تأخرا، وإذا لم ينلهما في الدنيا فهو نائلهما في الآخرة، والإيمان المشروط بألّا ينال صاحبه إلا النفع، لا يليق بمؤمن صادق لأن الإيمان مسألة مستقلة لا علاقة لها بأعراف الدنيا المتقلبة على الناس وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ. يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (?) (?) .
عن سعيد بن جبير قال: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم والله، إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضرب الذي نزل به (?) !!
ومن جهة أخرى، لنا أن نتساءل فيما إذا كان من المسلمين من كان يقابل الأذى والعدوان بمثله في مكة، أو همّ بذلك؟ فنقول إن في بعض الآيات ما يلهم بالإيجاب الذي نعتقد أنه مما يتّسق مع طبيعة الأمور، إذ لا يصح أن يفترض خضوع المسلمين كافة للأذى وصبرهم عليه، وكان فيهم الأقوياء في أشخاصهم أمثال عمر وحمزة، كما كان فيهم الأقوياء بعصبياتهم أيضا وخاصة في بيئة مثل بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره قويت فيهما العصبية الاجتماعية وكانت ناظما مهما في علاقات الناس بعضهم ببعض. إلا أن القرآن أمرهم أن يكفوا أيديهم لأن وقت المجابهة لم يحن بعد. وهنالك من الآيات (?) ما يلهم بقوة أن بعض المسلمين كانوا أحيانا يوجهون الشتائم إلى الكفار بسبيل التنديد بهم وبعقائدهم مواجهة، وهذا لا يكون إلا من أناس أقوياء الشخصية جرآء على الباطل مهما قوي أصحابه وبالتالي تلهم بقوة أن من المسلمين من كانوا كذلك وكانوا لا يرون أن يسكتوا على الكفار وفجارهم (?) . وفي تفسير الطبري لآيات سورة النحل (125- 128) عن بعض التابعين أن بعض المسلمين في مكة قالوا: يا رسول الله لو أذن لنا الله