وكان صهيب بن سنان الرومي من المؤمنين المستضعفين الذين يعذبون في الله، وكان يمر بقريش يصحبه خباب وعمار، فكانوا يقولون: هؤلاء جلساء محمد ويهزؤون ... فيرد صهيب: نحن جلساء نبي الله، آمنا وكفرتم وصدقناه وكذبتموه، ولا خسيسة مع الإسلام ولا عز مع الشرك. فجعلوا يعذبونه ويضربونه وهم يقولون: أنتم الذين منّ الله عليكم من بيننا (?) ؟
وكان أبو جهل إذا سمع بالرجل قد أسلم، له شرف ومنعة، أنّبه وأخزاه وقال: تركت دين أبيك وهو خير منك. لنسفهن حلمك ولنقبحن رأيك ولنضعن شرفك. وإن كان تاجرا قال: والله لنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك. وإن كان ضعيفا أغرى به (?) .
واجتمع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوما فقالوا: والله ما سمعت قريش بهذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا! قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه.
فقال: دعوني فإن الله سيمنعني. وانطلق إلى الكعبة، وقريش في أنديتها، وراح يتلو هناك بصوت عال الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ ... (?) فتأمل القرشيون فيه وجعلوا يتسائلون: ما يقول ابن أم عبد؟ أجاب بعضهم إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا إليه وجعلوا يضربون في وجهه وهو ماض في تلاوة السورة، حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وآثار اللطمات على وجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك؟ قال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، لئن شئتم لأغادينهم غدا بمثلها! قالوا: لا.
حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون (?) . وروى الطبري في سياق تفسير آيات سورة العنكبوت (8- 9) أن سعد بن أبي وقاص كان يقول لأمه التي أخذت تلح عليه بالارتداد «يا أمه، والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني» (?) !
ويظهر أن بعض المسلمين قد تضعضعوا أمام المحنة ولم يطيقوا تحمل الأذى والاضطهاد، وأنهم أبدوا شكهم في نصر الله الموعود للمسلمين فنزلت