أمره، ويتامرون ضده، ويحضّ بعضهم بعضا عليه. ثم ارتأوا أن يقابلوا أبا طالب مرة أخرى وقالوا: يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك، فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين.

فبعث أبو طالب إلى ابن أخيه وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فابق عليّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق (?) .

ظن الرسول صلى الله عليه وسلم أن عمه قد ضعف عن نصرته، وأنه ربما خذله وأسلمه لأعدائه فقال: «يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه» فما كان جواب عمه إلا أن قال: «اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبدا» (?) .

وعندما أدركت قريش إصرار أبي طالب على حماية ابن أخيه، ساروا إليه ثالثة، ومعهم عمارة بن الوليد بن المغيرة، وقالوا: يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه واتخذه ولدا، فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك وسفّه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل. فأجابهم أبو طالب: والله لبئس ما تسومونني، أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدا (?) .

ويورد ابن سعد رواية لا نجدها في المصادر الآخرى، ولا ندري مدى صحتها، تشير إلى محاولة مبكرة من زعماء قريش لاغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف أنهم بعد فشل مفاوضاتهم مع أبي طالب وعجزهم عن إغراء الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا:

«ما خير من أن يغتال محمد» . فلما كان مساء تلك الليلة، فقد الرسول صلى الله عليه وسلم، فبحث عنه أبو طالب فلم يجده فظن أنه قد أصيب بمكروه، فجمع فتيانا من بني هاشم وبني المطلب وأمر كلا منهم أن يحمل حديدة صارمة لقتال زعماء القوم إذا ثبت قتلهم لمحمد صلى الله عليه وسلم. إلا أن أبا طالب سرعان ما أبلغ أن محمدا يجلس الآن في داره بالصفا بمنأى عن الشر. وفي اليوم التالي صحب أبو طالب ابن أخيه إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015