العظيمة التي واجه بها هذا الموقف بأمر ربه، بما كان يوجهه إلى الزعيم القوي الغني الطاغي: المغيرة بن هشام المخزومي، مما يوحي إليه من آيات فيها الصفعات الداميات والشرر المحرق: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ. ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ. فَلْيَدْعُ نادِيَهُ. سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ. كَلَّا لا تُطِعْهُ ... (?) . ثم بما كان من تثبيت القرآن له على دعوته وعبادته وثباته فيهما فعلا، تبين لنا العظمة الخلقية والإيمان العميق والجرأة الشديدة في الحق على كل باغ مهما كان قويا عاتيا. ولقد كان هذا دأبه في كل المواقف التالية لهذا الموقف العصيب سواء كانت في الخطوات الأولى أو ما بعدها، وفي هذا سر من أسرار اصطفائه للرسالة العظمى من دون ريب (?) .
[2]
وما لبث الوقت أن حان لإعلان الدعوة، وأصدر الله سبحانه أمره إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن (يصدع) بما جاءه منه وأن يتجاوز الطور السري للدعوة الذي استغرق ما يزيد على الثلاث سنوات إلى الجهر والعلن تنفيذا لأمر الله فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (?) ولقوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (?) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (?) .
وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم الدور الجديد للدعوة بأن صعد إلى الصفا ودعا بني المطلب أن يجتمعوا إليه، فاجتمع إليه منهم حوالي الأربعين، فيهم عدد من أعمامه، وبدأ حديثه معهم: يا بني فلان، يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقاطعه أبو لهب ساخرا: تبا لك!! ما جمعتنا إلا لهذا. ثم انصرف بنو عبد المطلب في أعقابه (?) .
ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين، إذ أن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية، فبدء الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته