بالخروج. وكان بعض المسلمين الذين بقوا خارج البيت يراجعون دار الأرقم لتلقي أوامر النبي وتنفيذ ما يحتاج إليه. وفي هذه الدار أيضا أسلم بعض المسلمين ... وليس في كتب الأخبار والسير والتواريخ تاريخ مضبوط للوقت الذي استخفى فيه الرسول والمسلمون في دار الأرقم. فالروايات في ذلك مضطربة، ولكن المرجح على ما يبدو من غربلتها أنه كان في أواخر السنة الثالثة من النبوة أو في السنة الرابعة أي في أواخر عهد الكتمان.. والروايات متضاربة في مدة الاستخفاء في دار الأرقم فهناك من يجعل مدتها شهرا فقط (?) ثم إنها متضاربة كذلك في كيفية الاستخفاء هل كان استخفاء تاما من الناس في تلك الدار فلا يخرج منها أحد؟ أو كان استخفاء في أوقات قصيرة من النهار وذلك في أوقات اجتماعهم بالنبي مثلا لأجل الصلاة وتوضيح الإسلام والتبشير به من الله وقبول أحد فيه (?) ؟
ويؤكد أرنولد أن شدة معارضة قريش (ربما) كانت السبب الذي من أجله اتخذ محمد صلى الله عليه وسلم مقره في السنة الرابعة من البعثة في دار الأرقم.. وكانت هذه الدار في مركز متوسط يؤمها الحجيج والغرباء. وقد استطاع الرسول أن يواصل فيها نشر مبادىء الإسلام بين الذين كانوا يقصدونه في هدوء وطمأنينة. وتعد الفترة التي قضاها محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الدار فترة هامة في الدعاية الإسلامية بمكة حتى أن كثيرا من المسلمين يؤرخون دخولهم في الإسلام بتلك الأيام التي كان الرسول يبث فيها الدعوة بدار الأرقم (?) .
إلا أن سرية الدعوة في هذا العهد وتواصي المسلمين بالحذر والحيطة وتلافي الاصطدام المباشر مع المشركين، لا يعني أن المجابهة العقيدية بين الدين الجديد والشرك كانت صامتة، بل إننا نجدها على أعنف ما تكون في القرآن الكريم نفسه وفي آياته الأولى. ففي سورة العلق حملة عنيفة على أحد زعماء قريش، في وقت لم يكن النبي قد آمن بدعوته- بعد- سوى نفر يعدون على الأصابع، ومن ثم يتبين لنا الموقف العصيب الذي واجهه الرسول صلى الله عليه وسلم والجرأة