فتستطيع السمو والتحليق، لقلنا: إن ظواهر هذه الآثار مقصودة، ولكن أمر الخير والشر أبعد من ذلك، بل من البديهي أنه بالناحية الروحية في الإنسان ألصق. وإذا اتصل الأمر بالحدود التي يعمل الروح في نطاقها، أو بتعبير آخر، عندما ينتهي البحث إلى ضرورة استكشاف الوسائل التي يسير بها الروح هذا الغلاف المنسوج من اللحم والدم، يصبح البحث لا جدوى منه، لأنه فوق الطاقة. وشيء واحد هو الذي نستطيع استنتاجه من هذه الآثار، أن بشرا ممتازا كمحمد صلى الله عليه وسلم لا تدعه العناية عرضا للوساوس الصغيرة التي تتناوش غيره من سائر الناس. فإذا كانت هناك (موجات) تملأ الآفاق، وكانت هناك قلوب تسرع إلى التقاطها والتأثر بها، فقلوب النبيين- بتولي الله لها- لا تستقبل هذه التيارات الخبيثة ولا تهتز لها، وبذلك يكون جهد المرسلين في متابعة الترقي لا في مقاومة التدني، وفي تطهير العامة من المنكر لا في التطهر منه، فقد عافاهم الله من لوثاته» (?) .
وهذا يكفي.. فما دمنا بصدد تحليل المؤثرات البيئية والوراثية والغيبية في تكوين الرسول صلى الله عليه وسلم وتهيئته للرسالة، فإن حادثة شق الصدر تقف في القمة من المؤثرات جميعا، صياغة روحية- مادية لشخصية النبي الإنسان، وتهيئة من لدن العليم بمنسربات النفوس، الخبير بتعقيدات الشخصية البشرية.. لكي يكون هذا الرجل بالذات، ووفق تكوينه الموجّه هذا، قادرا على التقاط إشارة السماء ومقابلة الوحي، وتحمل المسؤولية، نبيا إلى الناس جميعا، صعدا بهم إلى القمم الشامخة التي تنقطع دونها أنفاس الرجال!!
وعلى قدر ما تشح الروايات والأحاديث عن حياة الرسول الإنسان قبل مبعثه.. على قدر ما تزيد وتتسع لكي تمنحنا ما فيه الكفاية عن العالم الذي ولد فيه محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أمر معروف أيضا.. إن المدى يتسع هنا لكي يحتوي في دوائره الممتدة شيئا فشيئا، عشائر وقبائل وشعوبا وأمما كانت قد مهدت بممارساتها وتوقعاتها في الوقت نفسه الطريق إلى المولد الجديد.. بالأحرى إن تاريخ العالم كله، في فترة قد تتجاوز الأربعة أو الخمسة قرون، بعد استنفاد النصرانية دورها ومهمتها، هي الساحة التي تهم الباحثين في مجال كهذا، وما أكثر