[2]

في الخامسة والعشرين من عمره كان محمد صلى الله عليه وسلم قد اجتاز تجربة زواجه الأول وكانت تجربة ناجحة لعبت دورا كبيرا في حياته قبل البعثة وبعدها على السواء. وكان محمد قد اختير بوساطة عمه أبي طالب، من قبل السيدة خديجة ذات الشرف والمال في قريش ليكون أمينا لتجارتها إلى الشام برفقة خادمها ميسرة لما كانت قد سمعته عن محمد «من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه» .

وقد وافق محمد على القيام بالمهمة لقاء أجر غير زهيد قررت خديجة منحه إياه لدى عودته رابحا من الشام. ولقد عاد بعدئذ مضاعفا، بصدقه وأمانته ونشاطه ربح التجارة التي كلف بإدارتها، فأعجبت خديجة به، وزادها إعجابا وتقديرا ما حدثها به خادمها ميسرة عن أخلاق محمد وصفاته. وعلى عادة العرب في الوضوح والصراحة وعدم الالتواء، بعثت إليه من يقول له: إني قد رغبت فيك لقرابتك وشرفك في قومك، وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك. ثم عرضت عليه الزواج. وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، كل قومها كان حريصا على خطبتها لو يقدر على ذلك (?) .

استشار محمد صلى الله عليه وسلم أعمامه فخرج معه عمه حمزة (رضي الله عنه) ودخل على خويلد بن أسد فخطب ابنته لابن أخيه، فوافق الأب وتم الزواج المبارك، فكان من ثماره أبناء رسول الله كلهم إلا إبراهيم، وهم: القاسم، وكان صلى الله عليه وسلم يكنى به، وعبد الله (الذي يلقب بالطاهر والطيب) وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. وقد توفي القاسم وعبد الله قبل مبعثه، وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن إلى المدينة (?) .

[2]

إن الإطار التاريخي لسيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم، منذ مولده حتى وفاته، يضم حشدا كبيرا من الروايات، يكثر ويتكاثف في مرحلة ويقل ويتباعد طيلة الأربعين سنة التي سبقت مبعثه في غار حراء، فلا يكاد يغطي سوى مساحات قليلة من هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015