دراسة الأصول القديمة لروايات حلف الفضول أن الحاجة إلى الأمن والاستقرار بعد حرب الفجار هي التي دفعت قبائل قريش إلى الاجتماع في دار عبد الله بن جدعان للتفاوض في أمر إحلال الأمن والسلام في مكة لأن حياة أهل مكة تقوم على الوافدين إليها من الحجاج والتجار، وأن الذي دعا إلى ذلك نفر من قريش وأن الذي تزعم الدعوة وتبناها وجمع بين الرؤساء هو عبد الله بن جدعان أحد أثرياء مكة (?) .
وفي الخامسة والثلاثين من عمره مارس صلى الله عليه وسلم مهمة التحكيم في مسألة وضع الحجر الأسود. كانت قريش قد أجمعت أمرها على إعادة بناء الكعبة وتسقيفها بعد ما أصابها من السيول المنحدرة إليها من المرتفعات المجاورة، وبعد محاولة لسرقة محتوياتها من قبل نفر من قريش، وكانت الكعبة منضودة من حجارة بعضها فوق بعض من غير ملاط (?) وكان البحر قد رمى بسفينة لرجل من تجار الروم قريبا من جدة، فتحطمت وحمل خشبها إلى مكة للإفادة منه في أعمال البناء. وصادف أن كان بمكة آنذاك رجل قبطي نجار فارتأوا ضرورة البدء بالعمل. وتعاونت قبائل قريش جميعا في البناء، كل تناول جانبا، هدما وبناء. وعندما بلغوا موضع الركن حيث يوضع الحجر الأسود، اختصموا، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الآخرى، فانحاز كل رجل إلى قبيلته، وتأهب الجميع للقتال. وظل الأمر على ذلك أربع ليال. وحينئذاك تقدم أبو أمية بن المغيرة- وكان عامئذ أسنّ قريش- فقال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه. فأقرّوا رأيه، وراحوا ينتظرون أول داخل، فكان محمدا صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا، هذا محمد!! فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال: هلمّ إليّ ثوبا، فجيء به، فأخذ الحجر فوضعه فيه بيده ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بجانب من الثوب ثم ارفعوه جميعا. ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده ثم بنى عليه (?) .