بيت عائشة رضي الله عنها فأذنّ له. وخرج يمشي بين رجلين من أهله، علي والفضل بن عباس، عاصبا رأسه، تخط قدماه، حتى دخل بيت عائشة (?) .

أخذت الحمى تزداد شدة، حتى أن الرسول طلب من أهله أن يريقوا عليه «سبع قرب من آبار شتى» ، ولما راحوا يصبون عليه الماء طفق يقول «حسبكم حسبكم» وعندما أحسّ ببعض الارتياح خرج إلى المسجد عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر فكان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم ثم قال: «إن عبدا من عباد الله خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله» .

فهم أبو بكر مغزى كلام الرسول وعرف أنه يريد نفسه، فبكى، وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا، فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم: «على رسلك يا أبا بكر» ثم التفت إلى من حوله وقال: (انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد فسدّوها، إلا بيت أبي بكر، فإني لا أعلم أحدا كان أفضل في الصحبة عندي يدا منه.. ولو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده) ... وعاد إلى بيته ودهمته نوبة الحمى والألم مرة أخرى (?) .

طلب الرسول- بعد أن أعجزه المرض عن أداء مهامه- أن يأمروا أبا بكر ليصلي بالناس، فقالت عائشة: يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق، ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن. قال: فمروه فليصل بالناس.. وكانت عائشة ترمي من وراء ذلك ألا يدفع أبوها إلى موقف يؤدي إلى تشاؤم الناس منه: «لأن الناس لا يحبون رجلا قام مقام نبيهم أبدا» .. فصلى أبو بكر بهم ثلاثة أيام (?) .

وفي يوم الاثنين الذي توفي في ضحاه (12 ربيع الأول) خرج صلى الله عليه وسلم لكي يلقي نظرة على أصحابه، وهم يقفون صفوفا يؤدون الصلاة، وما أن رفع الستر وأطل على المسلمين حتى كادوا يفتنون في صلاتهم برسول الله حين رأوه فرحا به، وانبسطت سرائرهم فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم، وتبسّم سرورا لما رأى من هيأتهم في صلاتهم. ونكص أبو بكر إلى الوراء اعتقادا منه أن الرسول سيؤم بنفسه المسلمين في صلاتهم هذه، إلا أن الرسول تقدم إليه ودفعه في ظهره قائلا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015