به من دماء الجاهلية ... أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدا، ولكنه يطمع فيما سوى ذلك، فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم. أيها الناس إن النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ ... (?) أيها الناس إن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا، واستوصوا (بهن) خيرا فإنهن عندكم عوان (أسيرات) لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله.. فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلّغت. وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بيّنا كتاب الله وسنة نبيه. أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن إن كل مسلم أخ للمسلم، وإن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرىء من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم.
اللهم هل بلغت؟» أجابه المسلمون جميعا: اللهم نعم، فقال «اللهم اشهد» (?) .
وبعد ذلك بقليل، قال الرسول للوفود المحتشدة حوله عند جمرة العقبة، ما يشعر بحلول الأجل القريب (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا أحج بعد عامي هذا) (?) .
في مطلع ربيع الأول من العام التالي (11 هـ) خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد حيث تنتشر مقابر أهل المدينة، فناداهم واستغفر لهم (السلام عليكم أهل المقابر ليهنأ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شرّ من الأولى..) ورجع إلى أهله. وحينذاك بدأ وجع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي انتهى بانتقاله إلى الرفيق الأعلى. عن عائشة رضي الله عنها قالت: «رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي، وأنا أقول: وا رأساه! فقال: بل أنا والله يا عائشة وا رأساه ... » وراح يدور على نسائه، وأوجاعه تزداد وطأة، حتى غلبته على نفسه فاستأذن أزواجه أن يمرّض في