صلّ بالناس، وجلس إلى جنبه، وصلى قاعدا عن يمين أبي بكر. فلما فرغوا من الصلاة راح الرسول يتحدث إليهم رافعا صوته، حتى ظن أصحابه أن قد زال ما به من وجع واستأذنه أبو بكر في الذهاب إلى أهله بالسنح، إحدى ضواحي المدينة، وسأل الناس عليا: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا (?) !!.
لكن تلك الإشراقة لم تكن سوى صحوة الموت، ولنستمع إلى عائشة رضي الله عنها وهي تحدثنا عن اللحظات الأخيرة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: «رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حين دخل من المسجد، فاضطجع في حجري، فدخل عليّ رجل من آل أبي بكر وفي يده سواك أخضر، فنظر رسول الله إليه في يده نظرة عرفت أنه يريده فقلت: يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك؟
قال: نعم. فأخذته فمضغته حتى لينته ثم أعطيته إياه، فاستنّ به كأشد ما رأيته يستن بسواك قط ثم وضعه. ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل في حجري، فذهبت انظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول: (بل الرفيق الأعلى من الجنة) ، فقلت: خيّرت فاخترت والذي بعثك بالحق! وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (?) وهو يقول:
(قاتل الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ويردّد (الصلاة وما ملكت أيمانكم) حتى جعل يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه (?) .
انقضّ نبأ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه المتجمهرين في الخارج انقضاض الصاعقة، وراح عمر بن الخطاب يقول: «إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد توفي، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل:
قد مات. والله ليرجعنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات» (?) .