بلغ محمد صلى الله عليه وسلم العشرين من عمره وبدأ يسهم في تجارب قريش السياسية والعسكرية والدينية، حيثما رأى في هذه التجارب حقا وعدلا، رافضا- من جهة أخرى- كل تصوراتها الخاطئة ومعتقداتها الوثنية وأخلاقياتها المتهافتة الساقطة..
اشترك، وهو في العشرين من عمره، في حرب الفجار التي سميت كذلك لوقوعها في الأشهر الحرم، والتي نشبت بين كنانة وقريش من جهة وبين قيس عيلان من جهة أخرى، وكان قائد قريش وكنانة فيها حرب بن أمية الذي تمكن وسط النهار أن يتجاوز الهزيمة التي مني فيها أول الأمر وأن يحقق النصر على قيس. وكان محمد صلى الله عليه وسلم آنئذ ينبّل لأعمامه ويرد عنهم نبال عدوهم (?) . واشترك في حلف الفضول الذي تم عقده في أعقاب حرب الفجار التي يبدو أنها كانت الدافع الأساسي الذي استفز زعماء قريش لعقد هذا الحلف الذي يصفه ابن سعد بأنه «أشرف حلف كان قط» . وكان أول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب، فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم وغيرها من عشائر قريش في دار عبد الله بن جدعان، فصنع لهم طعاما وتعاقدوا وتعاهدوا بالله «لنكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه» كما تعاهدوا على «التاسي في المعاش» وسموا ذلك الحلف (حلف الفضول) . وقد قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد نبوته، وهو يسترجع ذكرياته «ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم.. ولو دعيت به- في الإسلام- لأجبت» (?) .
وقد روى كل من المسعودي واليعقوبي (?) وعدد من المؤرخين أن سبب إنشاء هذا الحلف إنما كان بسبب الغبن الذي ألحقه أحد سادة قريش: العاص بن وائل السهمي برجل من اليمن، حيث ماطله في ثمن السلعة التي اشتراها منه، حتى يئس الرجل، فعلا جبل أبي قبيس ونادى قريشا وهي في مجالسها حول الكعبة بشعر يصف فيه ظلامته «فمشت قريش بعضها إلى بعض ... » . ويظهر من