وقد وجد المنافقون في هزيمة المسلمين بأحد ميدانا فسيحا لإظهار أحقادهم وشكوكهم والكشف عن موقفهم الصريح من الأحداث. يقول الواقدي:
«جعل ابن ابيّ والمنافقون معه يشمتون ويسرون بما أصاب المسلمين- في أحد- ويظهرون أقبح القول. ورجع من رجع من الصحابه وعامتهم جريح، ورجع عبد الله ابن عبد الله بن أبيّ وهو جريح، فبات يكوي الجراحة بالنار حتى ذهب الليل، وجعل أبوه يقول: ما كان خروجك معه إلى هذا الوجه برأي!! عصاني محمد وأطاع الولدان، والله لكأني كنت أنظر إلى هذا. فقال ابنه: الذي صنع الله لرسوله وللمسلمين خير ... وجعل المنافقون يخذلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمرونهم بالتفرق عنه، ويقولون لأصحابه: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل، حتى سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك في أماكن، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستأذنه في قتل من سمع ذلك منه من المنافقين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله مظهر دينه ومعزّ نبيه، أليسوا يظهرون شهادة ألاإله إلا الله وأني رسول الله؟
قال: بلى يا رسول الله، وإنما يفعلون ذلك تعوذا من السيف، فقد بان لك أمرهم وأبدى الله أضغانهم عند هذه النكبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهيت عن قتل من قال لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يا ابن الخطاب! إن قريشا لن ينالوا منا مثل هذا اليوم حتى نستلم الركن» (?) .
ويحدثنا ابن هشام كيف أن عبد الله بن أبي كان يتمتع بشرف في نفسه وفي قومه، وكيف أنه كان يجلس على رأس قومه، كل جمعة في المسجد، وكيف كان ينتهز فرصة جلوس الرسول صلى الله عليه وسلم بين الخطبتين فيقوم ويقول: «أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله وأعزكم به، فانصروه وعزّروه واسمعوا له وأطيعوا» ثم يجلس. وكيف أنه عندما أراد تمثيل نفس الدور في الجمعة التي أعقبت هزيمة أحد أخذ المسلمون بثيابه من كل مكان وصاحوا: اجلس!! أي عدوّ الله لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت! فيخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرا (?) إن قمت أشدد أمره!! فلقيه رجل من الأنصار يردد هذه العبارة فقال له: ويلك، ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابه عبد الله: والله ما أبتغي أن يستغفر لي (?) . وقال ابن إسحاق: «كان يوم أحد