يوم بلاء ومصيبة وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحص به المنافقين، ممن كان يظهر الإيمان بلسانه، وهو مستخف بالكفر في قلبه» (?) .

ومن أجل التعويض عن خوائهم الروحي وتغطية دورهم السلبي في حركة الدعوة، وملء الفراغ الذي يعانونه، كانوا يظهرون بين الحين والحين بمظهر الناصحين، الحريصين على مصير الدعوة وحياة أصحابها. قال رجال منهم، تعقيبا على مأساة الرجيع التي ذهب ضحيتها سبعة من الدعاة: «يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا، لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدّوا رسالة صاحبهم» ، لكن القرآن الكريم ما لبث أن فضح ازدواجيتهم هذه، ومزّق عن وجوههم أقنعة الحرص والاهتمام وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ. وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ. وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (?) .

في معركة الخندق حيث المحنة التي كشفت عن صفوف المنتمين إلى معسكر الإسلام وسلطت وهجها اللافح على أعماق سرائرهم، وقف المنافقون في آخر الصفوف يثيرون شائعات الخوف والهزيمة ويطلقون سخرياتهم بوجه الجد الصارم الذي كان يدفع المؤمنين إلى العمل والسهر المتواصل ليل نهار، قبل أن يفلت الزمام من أيديهم ويصبحوا خبرا من الأخبار.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجابه حملاتهم النفسية الخفية هذه بروح الأمل ينفخها في قلوب أتباعه، ويحدثهم بيقين ثابت طموح، وهم يعملون في الخنادق محاطين بالظلام من كل مكان، بأن مفاتيح الكعبة ستسلم إليه عما قريب وأن خيولهم ستطأ في السنين القادمة عواصم كسرى وقيصر، وتسقط عروشهم واحدا بعد الآخر. وكما كان المنافقون ينسحبون من المعركة قبل أن تلتمع السيوف، كما حدث في موقعتي أحد وتبوك، فإنهم الآن يظهرون للمؤمنين أنهم يعملون معهم في حفر الخندق، و (يمثلون دورهم هذا) وكلما وجدوا فرصة سانحة تسللوا من الخندق دون إذن من قائدهم، ولاذوا بأهليهم، بينما كان المؤمنون لا يغادر أحدهم موقع عمله إلا أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015