وعندما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم نبأ تحرك قريش بقواتها التي تفوق المسلمين بكثير ونزولها في أحد لقتال المسلمين انتقاما لما لحق الكفار في بدر، ومحاولة للقضاء على الدولة الجديدة، وطرح رأيه بقتال قريش في المدينة نفسها، قتال الشوارع والحارات، وافقه عبد الله بن أبيّ على رأيه هذا وألح على ضرورة تنفيذه قائلا «يا رسول الله أقم بالمدينة، لا تخرج إليهم، فو الله ما خرجنا إلى عدوّ لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا» (?) ، ربما حرصا من زعيم المنافقين على الظهور بمظهر المتحمسين لتنفيذ رأي رسولهم، سيما بعد أن رأى أكثرية المسلمين تطالب بموقف آخر هو الخروج والقتال في الأرض المكشوفة، وهو من خلال حرصه وإصراره سيزيد- حسب اعتقاده- شقة الخلاف بين الطرفين، وليكن بعدها ما يكون.. وربما رأى- وهو الأرجح- أن قتال المسلمين لأعدائهم داخل المدينة سيمكن المنافقين من الاختباء وسيتيح لهم التسلل من سوح القتال وطلب النجاة بأنفسهم دون أن تلحظهم عين، وهم في مخابئهم تلك سيعرفون لمن سترجح الكفة، فيتسللون ثانية إلى معسكرات المنتصرين، فإن كانوا من المسلمين قالوا: ألم نكن معكم، أو لم تكن فكرتنا في القتال داخل المدينة أصوب وأحسن؟ وإن كانوا من المشركين بينوا لهم أنهم هم الذين ألجؤوا المسلمين إلى انتظار أعدائهم لكي يقضى عليهم في المدينة، وأنهم انسحبوا من القتال وفتّوا في عضد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثم ستكون لهم الحظوة على أي حال سيؤول إليها القتال.
إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشأ إلا أن يأخذ برأي أكثرية أتباعه الراغبين في الخروج إلى القتال، ولم يتح للنقاش أن يتطور إلى انشقاق عميق بين وجهتي النظر، فدخل بيته ولبس عدة القتال وانطلق بأصحابه صوب أحد. ولم يمض على مسيرهم بعض الوقت حتى انسحب ابن أبيّ بثلث المقاتلين وقال مبررا موقفه «أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس!» ، وقد لحق به عبد الله بن عمرو بن حرام وسعى إلى إقناعه بالرجوع والانضمام إلى إخوانه، وراح يقول للمنسحبين «يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم..» فأجابوه: