فإن عرب المدينة الوثنيين وجدوا أنفسهم في مأمن في حالة إعلان رفضهم للإسلام وعدم قبول سلطته أسوة بقريش زعيمة الوثنية، وأغلب الظن أنهم كانوا على اتصال بقريش لتنسيق العمل بين الطرفين ووضع الإسلام في شقي الرحى، الأمر الذي دفع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يؤكد في ميثاقه على منع أي اتصال من قبل أحد من المدنيين بقريش أو التعاون معها في السلم والحرب. ويذكر محمد حميد الله في (مجموعة الوثائق) أن كفار قريش كتبوا إلى عبد الله بن أبيّ بن أبي سلول، ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس الخزرج، قبل وقعة بدر «إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنسيرنّ إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونسبي نساءكم» .

ولكن لم يؤثر تهديد الكفار ولا ترغيب المنافقين في مسلمي الأنصار (?) .

وجاءت معركة بدر إيذانا بانتصار الدولة الناشئة على القيادة الوثنية المتمثلة بقريش. يقول الواقدي: «لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسرى أذل الله بذلك رقاب المشركين والمنافقين واليهود، ولم يبق بالمدينة يهودي ولا منافق إلا خضد عنقه لوقعة بدر» (?) . وكان مشركو يثرب قد منّوا أنفسهم بهزيمة المسلمين، فقال رجل منهم لبعض المسلمين، وهو يرى أسامة بن زيد قادما من ساحة القتال: «قتل صاحبكم ومن معه» وقال آخر: «قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون بعده، وقتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب» (?) .

ولكن الحقيقة سرعان ما فرضت نفسها على الجميع ووجد العرب الوثنيون في المدينة أنفسهم في وضع حرج، فهم إما أن يبقوا على كفرهم فيعرضوا أنفسهم للعقاب وإما أن ينتموا للدين الجديد، وهم لم يألفوا الانضباط والانقياد، ولا وجدوا في أنفسهم انفتاحا على تعاليم الإسلام وإلزاماته ومبادئه بدافع من تكوينهم الاجتماعي القبلي، وسرعان ما وجد زعيمهم عبد الله بن أبيّ بن أبي سلول- الذي كان قد رشح لتتويجه ملكا على عرب المدينة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأ الصناع بنسج تاجه (?) - أن خير وسيلة للخروج من هذا المأزق هو أن يعلن هو وأتباعه إسلامهم ظاهرا، ويبقوا على اعتقاداتهم وعلاقاتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015