وممارساتهم الجاهلية باطنا، وبهذا ينجون من شبح العقاب، ويحتفظون في الوقت نفسه بمعطياتهم الجاهلية، فضلا عن أن تلبّسهم بالإسلام وتسربهم في صفوف الجماعة المسلمة سيتيح لهم فرصة أوسع لتخريب المجتمع الجديد من الداخل، والتنفيس عن حقدهم وهزيمتهم، فاستجابوا لنداء زعيمهم وملكهم المنتظر الذي قال لهم في أعقاب سماع نبأ الانتصار الحاسم لجيش الإسلام في بدر: «هذا أمر توجّه فلا مطمع في إزالته» فانضووا إلى الدين الجديد.
ومنذ ذلك الحين برزت إلى الوجود قوة جديدة في مواجهة الحركة الإسلامية، سببت لها الكثير من المتاعب والمحن، ووضعت في دربها الكثير من الحواجز والعقبات، ومارست إزاءها من الداخل عمليات تخريبية لا حصر لها.
وكان على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصارع هذه القوة فضلا عن صراعه مع القوى الخارجية: الوثنية واليهودية والنصرانية. إلا أن مشكلة هذا الصراع تكمن في أن هذه القوة المعادية غير واضحة الأبعاد، منسربة في صفوف الجماعة الإسلامية، قديرة على الاستخفاء في أعقاب أي تخريب تمارسه.. ثم، وهذا هو الأنكى، لم يكن بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعاقب على التهمة ويأخذ بالظنة وينفذ أسلوبا (روبسبييريا) في حصد مئات الرؤوس التي يشك أنها تتامر على سلامة الدولة وزعيمها، وحاشا للأنبياء أن يفعلوا ذلك.
لذا نجده يرفض مرارا وتكرارا عروضا من صحابته الكرام بقتل رؤوس المنافقين وقطع رقابهم بمجرد أن يوافق الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يوافق حتى النهاية على قتل رجل يشهد في ظاهره بشهادة الإسلام. وهنالك حادثة ذات دلالة في هذا المجال: عندما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا أمر قادته ألا يقاتلوا.. لكنه طلب منهم في الوقت نفسه أن يقتلوا عددا من المكيين سماهم لهم، حتى ولو تعلقوا بأستار الكعبة، وجيء بأحدهم، وكان قد أسلم ثم ارتد إلى الوثنية، وبعد فتح مكة توسّط لدى عثمان بن عفان رضي الله عنه في طلب الأمان. فصمت الرسول طويلا ثم قال (نعم) ، فلما انصرف عنه عثمان قال لمن حوله من أصحابه: لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. فقال رجل من الأنصار:
فهلا أومأت إليّ يا رسول الله؟ قال: إن النبي لا يقتل بالإشارة (?) .