الخنادق، ثم جيء بهم فوجا فوجا حيث لاقوا مصيرهم ودفنوا هناك، وبلغ عددهم بين الستمائة والسبعمائة رجل فيهم سيدهم كعب بن أسد وحيي بن أخطب، زعيم بني النضير الذي كان قد لجأ إلى حصون بني قريظة بعد انسحاب الأحزاب، وامرأة كانت قد ألقت- خلال الحصار- رحى على مسلم يدعى خلاد ابن سويد فقتلته.

وما أن تم تنفيذ الحكم برجال بني قريظة حتى انفجر بسعد بن معاذ جرحه فمات شهيدا (?) بعد أن استجاب ربه لدعائه يوم جرح في معارك الخندق «اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إليّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه. اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة» (?) .

وبفتح حصون بني قريظة يكون المسلمون قد تخلصوا من آخر كتلة يهودية في المدينة اختارت بنفسها- كسابقاتها- أن تقف من الإسلام موقف الحقد والعداء، وأن تنقض ميثاقها مع الرسول صلى الله عليه وسلم. ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ليستخدم أسلوب العقاب الجماعي إزاء اليهود الذين لم يروا منه- كما قال سيدهم كعب بن أسد- إلا وفاء وصدقا. فكان لا يعاقب إلا القبائل التي نقضت عهدها معه تاركا القبائل الآخرى تمارس حريتها الدينية والمدنية كاملة ما دامت على عهدها.

وهكذا لم تؤد حادثة سوق الصاغة إلا إلى إجلاء مسببيها من بني قينقاع، كما لم تؤد محاولة اغتياله إلا إلى طرد القائمين بها من بني النضير، ولو ظلت بنو قريظة على عهدها، ولم تمارس خيانتها الخطيرة في معركة الخندق لكان لها شأن آخر غير المصير الذي انتهت إليه، هذا فضلا عن أن العقاب الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينزله بخصومه اليهود كان يجيء دوما مكافئا لحجم الجرم الذي مارسته الكتل اليهودية، إذ سمح لكل من بني قينقاع وبني النضير بالخروج إلى أي مكان يشاؤون داخل الجزيرة أم خارجها، بعد أن حقن دماءهم ولم يستخدم أسلوب القتل إلا إزاء أولئك الذين خانوا العهد في ساحة الحرب وتعاونوا مع الأعداء، وهو العقاب الذي تمارسه جميع القوانين. أما اليهود، كأفراد لا ينتمون إلى هذه الكتلة وتلك من الكتل اليهودية ذات الوجود السياسي والعسكري، فقد ظلوا حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015