أيام وإن من شوهد منهم بعد انتهاء المدة ضربت عنقه. لكن اليهود لم يستجيبوا للإنذار وراحوا يهيئون أنفسهم لحصار طويل، وحينذاك أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أوامره بالتهيؤ للمسير إلى حصون بني النضير وقتالهم.

ما إن علم بنو النضير بتحرك المسلمين حتى لجؤوا إلى حصونهم يحتمون بها، ففرض المسلمون الحصار عليهم، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وتحريقها لإرغامهم على التسليم وهم الحريصون على المال والمتاع، فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهي عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها؟

فلم يلتفت الرسول صلى الله عليه وسلم لمثالياتهم التي يعرف جيدا أنهم أول الناس بتخطيها إذا ما تعارضت ومصالحهم، فشدد الحصار عليهم. وراح بنو النضير يقاومون بانتظار النجدة التي وعدهم بها عبد الله بن أبيّ زعيم المنافقين، دون جدوى، وبدأ الرعب يدب في نفوسهم، ثم ما لبثوا أن أعلنوا عن استسلامهم، بعد خمسة عشر يوما من الحصار، وموافقتهم على الجلاء أسوة برفاقهم من بني قينقاع، على أن يحقن الرسول صلى الله عليه وسلم دماءهم ويسمح لهم بحمل ما تقدر إبلهم على حمله فيما عدا السلاح، فأجابهم إلى ذلك، فحملوا إبلهم الكثير من الأموال والمتاع وانطلقوا شمالا حيث استقر بعضهم في خيبر وعلى رأسهم زعماء بني النضير: سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب حيث دان لهم أهلها بالطاعة، واستمرت طائفة أخرى في مسيرها صوب الشام. ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه على ما تركوه من أموال، فقسمها على المهاجرين الأولين الذين كانوا يعانون الفقر والجوع ولم يمنح للأنصار شيئا سوى رجلين فقيرين منهم، رغبة منه صلى الله عليه وسلم في إعادة التوازن الاجتماعي بين أصحابه، وهي سابقة عملية أخرى، لا تقل خطورة عن تجربة (المؤاخاة) في دلالتها الاجتماعية على رغبة الإسلام العميقة في تنفيذ التوازن الاجتماعي وتذويب الفروق الطبقية بين فئات المجتمع الواحد، وإحلال التعاون والوفاق محل التقاتل والتحاقد والصراع (?) .

ولم يفلت عمرو بن جحاش من طائلة العقاب إذ سرعان ما أمر الرسول ابن يامين بن عمير- الذي أعلن إسلامه خلال فترة الحصار- أن يدبر أمر اغتياله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015