وما لبثت هزيمة أحد أن أفسحت لليهود مجالا ينفسون فيه عن أحقادهم ويظهرون ضغائنهم على الإسلام ونبيه، وراحوا يطلقون الأقوال السيئة ويقولون: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبي قط، أصيب في بدنه وأصيب في أصحابه، حتى أن ذلك استفز عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستأذنه في قتل الرؤوس اليهودية التي نفثت سمومها في قلب المحنة فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: يا عمر إن الله مظهر دينه ومعزّ نبيه، ولليهود ذمة فلا أقتلهم (?) . ولم يقف اليهود عند حدود الحرب النفسية بل إنهم مضوا إلى أبعد من ذلك مستغلين فرصة ضعف المسلمين ومأساتي الرجيع وبئر معونة وتألب الأعراب الوثنيين ضدهم فقرر زعماء بني النضير (?) التامر على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة للهجرة.
ذلك أنه ذهب إلى حصونهم، بصحبة عدد من كبار أصحابه، يستعينهم في دية قتيلين من بني عامر، كان أحد أصحابه قد قتلهما خطأ في أعقاب نجاته من مجزرة بئر معونة، وفق ما تقضي به المواثيق التي كان اليهود قد أمضوها مع الرسول صلى الله عليه وسلم. وعندما عرض عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء من أجله، قالوا: نعم يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه. ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه- وكان صلى الله عليه وسلم قد جلس يستريح أسفل جدار بيت من بيوتهم- فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال عمرو بن جحاش بن كعب: أنا لذلك، وصعد لتنفيذ المهمة، فنزل الوحي الأمين لكي يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما أراد القوم، فما لبث أن غادر المكان عائدا إلى المدينة، ولما انتظره أصحابه طويلا ولم يعد، قاموا في طلبه، وفي الطريق لقوا رجلا مقبلا من المدينة أعلمهم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم داخلا، ولما التقوا به أخبرهم بما اعتزمه اليهود من الغدر به. وأرسل إلى بني النضير ينذرهم بضرورة مغادرة المدينة خلال عشرة