بحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني. أجاب كعب: أفعل. قال أبو نائلة: كان قدوم هذا الرجل (يعني محمدا صلى الله عليه وسلم) بلاء علينا، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهدت عيالنا. فقال كعب: أنا ابن الأشرف، أما والله لقد كنت أخبرتك أن الأمر سيصير إلى ما كنت أقول. فقال أبو نائلة: إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك. وطلب كعب أن يرهنوه أبناءهم فأقنعه أبو نائلة أن ذلك مما لا ترضاه العرب وأن من الأفضل لو يجعل الرهن سلاحا- وكان هدفه ألا ينكر كعب وجماعته السلام إذا جاءهم به- فوافق كعب على ذلك. وفي بقيع الغرقد اجتمعوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وتلقوا منه التعليمات وقال لهم: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم. فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصن كعب وناداه أبو نائلة، فنزل إليهم وتحدث معهم ساعة، حتى إذا توغلوا بعيدا عن مساكن اليهود أخذ أبو نائلة برأسه وصاح: اضربوا عدو الله، فصرخ كعب صرخة لم يبق من جرائها حصن يهودي إلا أوقدت عليه النار، وما لبثت سيوف المسلمين أن تناوشته وأجهزت عليه، وقفلوا عائدين بعد أن أصيب أحدهم بجرح. وسرعان ما تبدت ردود فعل اليهود إزاء مقتل فارسهم وشاعرهم خوفا وجبنا «فليس في المدينة يهودي إلا وهو يخاف على نفسه» (?) . ودفعهم الفزع إلى مقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قالوا له: قد طرق صاحبنا الليلة، وهو سيد من ساداتنا، قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه.
فأجابهم الرسول: إنه لو قرّ كما قرّ غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان له السيف.
ثم ما لبث أن عرض عليهم أن يكتب بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه، فأجابوه إلى ذلك حيث أصابهم الخوف والذل (?) .